قد يختلف مفهوم الإنسان الطيب من شخص لآخر فمنهم من يراه شخصًا متساهلا وساذجًا وربما أحمقًا في بعض الأوقات، ومنهم من يراه شخصًا لديه قلب حنون ومحب للجميع ومتسامح، ولكل منهم وجهة نظره التي بنى عليها هذا المفهوم.
ولكن من هو الإنسان الطيب الذي حير الجميع في الحكم عليه، وهل هو شخص ساذج، وليس لديه القدرة على المواجهة أم هو الشخص ذو القلب النقي المحبوب من الناس، ومن الله عز وجل؟
وفي هذا المقال سوف نحاول إلقاء الضوء على الإنسان الطيب، وعلى صفات ذلك الإنسان والوقوف وراء السبب في حيرة بعض الناس في الحكم عليه.
ما هي الصفات التي يمكن أن يندرج تحتها الإنسان الطيب؟
قد يعتبر الكثيرون أنفسهم أناس طيبون، وهم بعيدون كل البعد عن الطيبة، وذلك لمجرد أن شخصًا أخر قد ينعتهم بهذه الصفة سواء كان نفاقًا أو لأي سبب آخر، ولكن عفوًا ليس كل من يطلق عليه إنسان طيب هو طيبًا حقاً.
إذن فمن هو الإنسان الطيب وما هي صفاته؟ إن الشخص الذي تستطيع أن تحكم عليه بالطيبة هو إنسان مُحب للجميع، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضمر شرًا لأحد مهما كان السبب، ويتمنى للجميع الخير، والإنسان الطيب هو من يمد للجميع يد العون ودون أن يطلبوا ذلك، ويحاول الإنسان الطيب دائمًا أن يصلح بين الناس إذا كان بينهم أي خصام، ويحاول قدر الإمكان أن يقرب بينهم.
الإنسان الطيب عادة ما يربأ بنفسه عن الدخول في منازعات مع غيره، أو يكون بينه، وبين غيره أي خصومه، وعلى العكس من ذلك فالإنسان الطيب يكون حريص دائمًا على إدخال السرور إلى قلوب من يحيط به، ستجد كل من يتعامل مع من يتصف بالطيبة يكون في حالة ارتياح لهذا التعامل، ويحب دائمًا أن يتعامل معه ويتحدث إليه.
الإنسان الطيب يكون متسامحًا لأبعد الحدود، ومتجاوزًا عن الخطأ سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، وهذا ما يجعل الكثير من الناس يحكمون عليه بالضعف والتهاون، ولا يفرقون بين من يكون طيبًا، ومن يكون خاضعًا فهناك فرق كبير بين هاتين الصفتين.
عند تعاملك مع الإنسان الطيب سوف تعرف جيدًا أنه يمكن أن يبذل من أجلك نفسه أو حتى ماله، وعن طيب خاطر، ودون انتظار أي مقابل لذلك الفعل، فضلًا عن أن الإنسان الطيب إنسان أمين، ولا يمكن أن يخون الأمانة أبدًا مهما كانت الظروف والأسباب.
إذا صادفت إنسانًا طيبًا وبُحت له بسرك فستعرف جيدًا أنه لا يمكن أن يفشي لك أو لغيرك سرًا على الإطلاق، ولذلك فهو إنسان مقرب ومحبوب من الجميع فكم من الناس من إذا بُحت له بسر ذاع ذلك السر على الملأ، ولا يبالي بك أو بنتائج فعلته القبيحة.
إذا كنت تعرف إنسانًا طيبًا فستدرك حتمًا أنه سيشاركك كل ما تمر به من مواقف فعندما ستحزن ستجده بجانبك يشد من أزرك ويواسيك ويمسح دموعك، وسيحزن من قلبه لحزنك، أما إذا كنت في حالة فرح فستجده أول من يفرح لفرحك، ويشاطرك فرحتك بسعة صدر، ودون أي ذرة حقد أو حسد.
إذا رأيت إنسانًا يبكي عند رؤية أي مشاهد محزنه فهو بالفعل الإنسان الطيب حيث أنه يتميز برقة المشاعر وصدقها، ولذلك فستكون انفعالاته صادقة وسريعة التفاعل لمثل هذه المواقف، ولكن الغريب أنك ستجده يبكي أيضًا إذا ما كان المشهد مفرحًا لأن مشاعره الفياضة، والشفافة تجعله قد ينفعل بالبكاء في جميع المواقف سواء المحزنة منها والمفرحة.
ونظرًا لتحلي الإنسان الطيب بكل هذه الصفات المحمودة، والأخلاق الراقية فستجده قريب من الله، ودائمًا ما يحسن الظن بالآخرين، ويقدم دائمًا حسن الظن في جميع المواقف إلى أن يتضح له عكس ذلك، ولكنه حينما يتأكد من سوء ظن الآخرين تجاهه فإنه يصفح، ويسامح ولا يحاول معاتبه الآخرين على سوء ظنهم.
إذا كان لديك صديق يتصف بالطيبة فإنك ستعرف أن الأنانية ليس لها مكان لديه، فهو يحب الإيثار، وعادة ما ستجده يفضلك على نفسه، وحتى إن كان يحتاج لهذا الشيء، فحب التملك لا يتسلل إلى قلبه أبدًا.
ستجد دائمًا الإنسان الطيب لا يكن أي حقد لأحد، ولا يضمر أذى أو يتمنى زوال نعمة لأحد بل على العكس تمامًا فهو دائمًا ما يتمنى كثرة الخير للجميع ولذلك ستجد أنه لديه الكثير من الأصدقاء والمعارف، والذي يحرص دائمًا على التمسك بهم والمحافظة عليهم لأكبر وقت ممكن.
هل هناك عيوب في الإنسان الطيب؟
ويتساءل البعض هل هناك عيوب في الإنسان الطيب؟ نعم وهو سهولة خداعة من الآخرين نظرًا لطيبته الشديدة، وحسن ظنه ولذلك فهو يتعرض للكثير من الصدمات في حياته حينما يكتشف حقيقة بعضهم وخداعهم له.
لماذا يحتار البعض في الحكم على الإنسان الطيب؟
قد تجد بعض الناس من لا يستطيع الحكم على الإنسان الطيب، وقد يصفونه بالحمق والسذاجة والغباء في بعض الأحيان، وذلك لأن هذه الصفة الحميدة وهي الطيبة ستجدها نادرة بين البشر، وهناك من يدعي الطيبة فينخدع فيه البعض.
ولكن الإنسان الطيب الحقيقي هو من العملات النادرة وسط كل هؤلاء الجموع الذين يتصفون بالشر والحقد، فهذا النموذج الطيب بالنسبة لبعض البشر أصبح نموذجًا شاذًا، فيسارعوا في الحكم عليه بأنه ساذج وأحمق ومتساهل في حقوقه، ولا يقوى على المواجهة.
ولكن الحقيقة أن نموذج الإنسان الطيب هو نموذج يحتذى به في ظل انتشار سوء الخلق والشر بين الناس، ولا يجب أبدًا أن يتم الحكم عليه بهذه الطريقة الجائرة الزائفة، فلا أحد يستطيع أن ينكر بالرغم من كل تلك الأحكام أن التعامل مع الإنسان الطيب يتم دون أي قلق أو خوف، ولهذا فهو النموذج المفضل للجميع بالرغم من تلك الأحكام الغير منصفة.
هل هناك حدود معينة للإنسان الطيب يجب أن يتوقف عندها؟
بالتأكيد لا يمكن إنكار أن الإنسان الطيب شخص ممتاز، ولكن يجب أن تكون الطيبة مُعتدلة حتى لا تُستغل من قبل الأشخاص عديمي الضمائر، وحتى لا يوقع الإنسان الطيب نفسه في براثن الظلم من الآخرين نظرًا لطيبته الزائدة عن الحد.
فالنبي الكريم قد أوصانا بالاعتدال في كافة أمور الحياة، وخاصة في الأمور التي تخص المشاعر، لأن الطيبة الزائدة قد تجعل الإنسان يحب شخص لدرجة كبيرة قد تجعله في بعض الأحيان يحيد عن الحقائق، ولا يراها الرؤية الكاملة.
والعكس صحيح أيضًا فإن البغض الزائد عن الحد قد يوقع بعض الأشخاص في الظلم، وعدم الحكم الجيد على الأمور، ولذلك جاءت وصية النبي الكريم لنا بأن يكون كل شيء باعتدال حتى لا يتم التهاون مع ظالم أو فاسد، وأيضًا حتى لا يُظلم بريء نتيجة لذلك.
هل صفة الطيبة لها أي أهمية في التعامل بين أفراد المجتمع؟
مما لا شك فيه أن المعاملة الطيبة والسلوك الحسن مع الآخرين سيعود بالنفع على كافة أفراد المجتمع، وخاصة إذا ما كان في الحدود المعقولة السابق ذكرها، حيث أنها تعتبر تهذيبًا للنفس، وتقوية للصلة بين العبد وبين الله سبحانه وتعالى، فضلًا عن شعور الناس بالارتياح النفسي من عدم حياكة المكائد لهم أو لغيرهم.
بالإضافة إلى أن المعاملة الطيبة تُزيد من انتشار السلام والمحبة في المجتمع، وتقويه وتماسك أفراد المجتمع الواحد.
ونستخلص من ذلك أن الإنسان الطيب الذي حير الكثيرين هو النموذج الجيد بين أفراد المجتمع، وإذا صادفت في مشوار حياتك هذا الشخص فعليك بالتمسك به قدر استطاعتك فهو شخص نادر الوجود، ولا يجب التفريط فيه.