يتميز المؤمن بعقيدته السليمة، التي تجعله دائم الصلة بالله تعالى، خالقه، ورازقه، والقادر على كلّ شيءٍ، العليم بكل الأمور، فيتوجه إليه في كل أعماله، متوكلاً عليه وحده.
ومعنى التوكل على الله تعالى، هو الاعتماد عليه، والالتجاء إليه في كل الأعمال مع الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى تحقيق النتائج. وهو أمرٌ واجبٌ على المسلمين، لقوله تعالى: “وعلى الله فليتوكل المؤمنون”{سورة آل عمران، الآية (122)}.
فالطالب يجتهد ويجدّ في دراسته، ويعتمد على الله تعالى في النجاح، والمريض يراجع الطبيب، ويتناول الدواء، ويعتمد على الله تعالى في الشفاء، والمُزارع يزرع الأرض، ويبذر الحبّ، ويعتمد على الله في الحصول على الثمر، والمُجاهد يُعدُّ العدة لمقاتلة الأعداء، ويعتمد على الله في تحقيق النصر. فالاجتهاد في الدراسة، وتناول الدواء، وبذر الحب، وإعداد العدة، كلها أسباب يقوم بها المسلم، وهو مأمور بالأخذ بها، حتى يحصل على النتائج التي يتطلع إليها لأنه يعلم أن الله تعالى خلق الكون وفق قوانين ونواميس، لكنه يعتمد على الله تعالى في تحقيق تلك النتائج، فإن قوانين الكون لا تعمل إلا بمشيئة خالقها سبحانه وتعالى. فليس كل من تناول الدواء يُشفى، ولا كل من بَذَرَ الحبَّ يحصد.
آثار التوكل على الله تعالى
يدفع المسلم إلى الجد والاجتهاد، والأخذ بالأسباب التي قد تؤهله إلى تحقيق أهدافه.
يحقق الطمأنينة والاستقرار النفسي للمسلم، حيث يرضى بما قدره الله تعالى له.
يُكسب المسلم الشعور بالعزة والقوة والكرامة؛ لأنه يعلم أن الله معه دائماً في كل خطوة يخطوها.
صور التوكل على الله تعالى في حياة النبي {صلَّ الله عليه وسلم}
كان رسول الله قدوةً للمسلمين في التوكل والأخذ بالأسباب في مختلف شؤون الحياة، والأدلة على ذلك عديدة، منها، موقفه في غزة الأحزاب حيث استشار المسلمين في كيفية مواجهة المشركين الذين يريدون غزوَ المدينة المنورة، وأخذ بمشورة سلمان الفارسي {رضيّ الله عنه} بحفر خندق يمنع المشركين من اقتحام المدينة المنورة، وعندما سمع النبي {صلّ الله عليه وسلم} بخيانة يهود بني قريظة، أرسل سعد بن معاذ {رضي الله عنه} ليتحقق من الخبر وأوصاه أن يتكلم معه بإشارةٍ يفهمها إذا كان الخبر صادقاً كي لا يؤثر على معنويات المسلمين، أما إن كان الخبر كاذباً فليجهر به في الناس. ومن الأسباب التي اتخذها الرسول أيضاُ لتحقيق النصر على الأعداء أنه طلب من نعيم بن مسعود {رضي الله عنه} أن يضلل عن المسلمين، فعمل نعيم على إيقاع الفتنة بين الأحزاب ويهود بني قريظة وتفرقة صفوفهم، ومن ذلك أيضاً حرصه على معرفة أخبار العدوّ، حيث أرسل حذيفة بن اليمان {رضي الله عنه} لهذه المهمة.
كل هذه الاحتياطات المادية التي أخذ بها الرسول {صلَّ الله عليه وسلم} لم تكن بسبب خوفٍ في نفسه، فقد كان على يقينٍ من حفظ الله تعالى له، وإنما لبيان أن الإيمان يطلبُ الأخذ بالأسباب المادية التي جعلها الله تعالى أسباباً للنتائج، وأن الأخذ بالأسباب واجبٌ وتركه تواكل مُحرم. كما أن هناك فرقٌ بين التوكل والتواكل.
الفرق بين التوكل والتواكل
التوكل على الله تعالى، يتطلب الأخذ بالأسباب، فمن لم يأخذ بالأسباب لا يكون متوكلاً على الله تعالى، بل يكون متواكلاً. فالطالب الذي يريد النجاح دون اجتهاد ودراسة، والمزارع الذي ينتظر المحصول دون العناية بأرضه وبذر الحب، هؤلاء جميعاً ليسوا متوكلين على الله تعالى، وإنما هم متواكلون؛ لأنهم تركوا العمل ولم يأخذوا بالأسباب. فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب {رضي الله عنه وأرضاه} لقيَّ أُناساً من أهل اليمن ، جالسين في المسجد بلا عمل، وكانوا معتمدون في طعامهم وشرابهم على غيرهم، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. قال: بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكل الذي يُلقي الحب في الأرض ويتوكل على الله.