شرع الله سبحانه وتعالى بداية السلالة البشرية بخلق أبانا آدم عليه السلام، وآنس وحشته ووحدته أن سخر له أمّنا حواء تُقاسمه معيشته وتُشاركه الحياة، وكان إغواء الشيطان لهما ونزولهما على الأرض وغيرها من تدابير الله وحكمته، نقطة البداية للحياة الدنيوية وعملية التناسل البشري والتكاثر في أبهى صور الاستمرارية للدلالة على عظمته سبحانه.
ولكن ما تشهده حضارتنا مؤخرًا من عملية التزايد المتضخم تُشكل عائقًا كبيرًا للمجتمع، والجهل بخطورة الأمر يؤدي لانهيار العوامل الاجتماعية والاقتصادية وغيرهما من مقومات الحياة.
فمفهوم الزيادة السكانية الطبيعية المتعارف عليها عند العلماء والتي تُعبر عن معدل النمو والزيادة البشرية التي تهتم بالفرق بين عدد المواليد وعدد الوفيات، فعملية النسبة والتناسب بينهما تُشكلان فارقًا ضروريًا في حسابتنا للزيادة الطبيعية فضلًا عن إذا كان الفارق يتزايد أو يتناقص، فنلاحظ أن تطور المنظومة الصحية والعلاجية من توفر الأدوية والمستشفيات المجهزة بأعلى مستوى، أدى إلى زيادة متوسط عمر الفرد وانخفاض عدد الوفيات بين الأطفال، تزامنًا في الوقت مع الارتفاع لعدد المواليد مما آل للزيادة السكانية.
وكما يُدرج أيضًا ضمن الاعتبارات والدراسات التي تُقام عن التضخم والانفجار السكاني حالات الهجرة من منطقة إلى أخرى وإدراجها ضمن أهم العوامل المؤثرة في اختلال التوازن الطبيعي وإحداث الفساد على وجه الأرض من قِبـل الإنسان، فالهجرة تتمثل بحساب الفرق بين عدد المغادرين وعدد الوافدين للبلد وتنشأ بسبب عوامل سياسية واقتصادية وكوارث طبيعية واجتماعية وغيرها مما يؤدي للكثافة السكانية في منطقة دون الأخرى.
وقد وضع خبراء الاقتصاد قانونًا لحساب الزيادة الطبيعية وإن كنّا لا نستطيع الجزم بدقة الأرقام والحسابات ولكنه للتقريب والوصول لأرقام أشبه بالواقع، لتسهيل عملية الحصر السكاني ولتقريب الصورة الحقيقة للأذهان من أجل التوعية بخطورة الأمر وذلك القانون يتمثل في حساب الزيادة في عدد المواليد وإنقاص عدد الوفيات منها مع إضافة عدد المهاجرين المغادرين واستبعاد عدد المهاجرين الوافدين من تلك الحسابات فتتلخص لنا صافي الزيادة الطبيعية مع الهجرة، وقد تتعد الطرق والأساليب في الحسابات من منظمة لأخرى ولكن يبقى المغزى واحد وهو إدراك مشكلة الزيادة السكانية ومحاولة حصرها.
أسباب ظاهرة الزيادة الطبيعية:
فمنشأ تلك الأزمة لم يولد من العدم ولكن ما أحدثه الإنسان مؤخرًا وتسبب فيه من عدم التوازن بين أعداد الأفراد والموارد والخدمات الطبيعية أوصلنا لتلك المشكلة ومن تلك الأسباب:
تقديس مبدأ الإنجاب والإسراع من زيادة النسل في بداية الزواج والاعتقاد أنه من أسس قوام نجاح تلك الزيجة واستمرارها، فتلك القيمة الاجتماعية متأصلة في أغلب الشعوب العربية، أنه كلما زاد عدد الأطفال كان أكثر ضمانًا لربط ذلك الزواج واستقراره، وفي الحقيقة فإن هذا الأمر أباحه الدين الإسلامي ومن يقع في مخالفة هذا الأمر فقد وقع في خطأ، وأن تحديد النسل لا سجوز في شريعة الله إلى بشروط مثل حال الأم الصحية، وأيضًا ارتفاع معدل الجهل والأمية الذي يثؤثر على الكثير من الأمور التي تغيب عن المجتمع.
كما أن استمرار وتأصل عادات الجاهلية من المورثات التي تسير في عروقنا إلى يومنا هذا فالرغبة في إنجاب الذكور وعدم الرضا والاكتفاء بالإناث، ليكون الذكر هو السند والعون لتلك الأسرة مع الأب مما يؤدي للإكثار من عملية الإنجاب حتى يتحقق المُراد والحصول على المبتغى من الفخرو العزوة بالذكر، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بشر الوالدين الذين ينجبوا إناث وأن لهم الجنة.
وهنا نقول أن تحديد النسل يناسب حالات ولا يناسب حالات أخرى، فمنطق تحيد النسل أصلاً هو منطق غربي جائنا من أناس لا يتقيدون بشريعة الدين الإسلامي، ومن المخذي السير ورائهم بعمى كامل دون الرجوع لصريح الفرآن والسنة.
ومن أهم أسباب أي مشكلة هي غياب الوعي والإرشاد ودور الإعلام والصحافة وشبكات التواصل الاجتماعي للترغيب والتذكير من عملية تنظيم الأسرة في حدود ما أجازه الشرع وليس تحديدها وتوضيح تأثير تلك المشكلة على المدى البعيد والهدف من تلك التوعية، لكي تنعم الأُسر بسُبل معيشة أكثر راحة ورخاء.
تأثير معدلات الزيادة الطبيعية للسكان:
فبعد أن تم حساب الزيادة الطبيعية والذهول من معدل النمو السكاني المتزايد فقد وصل خلال خمسة أعوام إلى 1.17% حسب الدراسة التي قامت بها الأمم المتحدة في الفترة ما بين 2005-2010
كما أن ملاحظة الانخفاض في المستوى المعيشي للفرد أكبر دليل على حجم المشكلة دون الحاجة لإثباتها بالحسابات والأرقام
ومن تلك المشاكل، العجزالإقتصادي المؤثر على الفرد والحكومة، فانخفاض الدخل الفردي وعملية الاستثمار تؤدي لقلة المشاريع الحديثة والتطور الحضاري القائم على الإعمار والتنمية من المستثمرين مما سيعرقل تقدم الدولة وحضارتها، فانخفاض الموارد والمصادر سيعمل على الانهيار الاقتصادي بلا شك.
وانخفاض المشروعات الجديدة أيضًا سيؤدي للزيادة من معدل البطالة وكثرة الخريجين مع عدم توافر فرص العمل المناسبة لهم مما يُشكل عائقًا أمام استفادة الدولة بطاقة شبابها.
كما أن الزيادة السكانية تتطلب زيادة في المتطلبات والاحتياجات من الخدمات العامة المقدمة من المواصلات وغيرها فذلك الاستهلاك المتزايد على السلع والخدمات الضرورية والكمالية يشكل ضغطًا على العملية التنموية للمجتمع، ولكن لا شك أن الدولة لا تستطيع أن تغطي تلبية احتياجات شعبها من المؤن اللازمة والرعاية مع الزيادة السكانية الكبيرة فيحدث العجز في توافر الخدمات الصحية والموارد الغذائية وفرص التعليم وغيرها.
حل مشكلة الزيادة السكانية:
بعد إدراك تفاقم حجم المشكلة لا بد من البحث لحلول لها من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة وتوفير البيئة المناسبة والرعاية ومن أهم تلك الحلول، هو نشر الثقافة والوعي بين الأسر وذلك من خلال الإعلام البنّاء واستهداف الشباب في الجامعات سواء كان ذلك الاتصال مباشر من خلال الندوات والدورات التدريبة والأنشطة التي تحث المجتمع على عملية التنظيم أو الاتصال غير مباشر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والأفلام الوثائقية والفيديوهات القصيرة التي توضح المشاكل مُبينة أساليب التنظيم بطريقة علمية مبسطة وترغيب أباء وأمهات المستقبل في تحقيق الهدف المتمثل في طفلين لكل أسرة، والأكدى زيادة عملية التوعية والإرشاد في الأرياف والقرى والمناطق التي تطغى عليها الأمية والجهل بأمور الرجوع إلى الله وزيادة الوعي الديني من قبل المؤسسات الرسمية المسؤولة عن الخطاب الديني، وأن تقوى الله والرجوع إليه هي حل لجميع المشاكل.
وكذلك على رجال الأعمال والشركات الكبرى التعاون مع الدولة لتوفير الخدمات وفرص عمل للشباب من خلال الاستثمار الداخلي دون اللجوء لإقامة المشاريع واستثمار أموالهم في الخارج مع حاجة بلادهم لمثل تلك المشاريع الشبابية.
وكذلك على الشباب التحلي بقيم العطاء والولاء للوطن ومحاولة الاجتهاد للنهوض والتقدم والعمل على تحقيق غدٍ أفضل.
وعلي الدولة وضع برامج وخطط لزيادة الإنتاج والحصول على موارد جديدة، وعليها أيضًا تفعيل فكرة التوزيع السكاني وإعادة خريطة ذلك التوزيع من خلال الإعمار في المناطق الجديدة وإقامة مرافق عامه وخدمات تجذب السكان للعيش فيها والاستقرار وخاصة الشباب المقبل على الزواج من حيث توفير سكن ملائم لهم بسعر رمزي وخدماتٍ أفضل.
بالرغم أن الحلول لا تفي لإخماد تلك المشكلة تمامًا ولكنها تساعد ولو بشكل قليل على الحد من تفاقمها، فالأسرة الصغيرة هي الضمان لحياة كريمة سوية لكل أفراد المجتمع وإعادة التوازن بين الأوضاع السكانية والتنمية المستدامة.