عندما أرسل الله هودًا – عليه السلام – لكي يدعوهم إلى الإسلام، كفر شداد وجحد به، ووسوس له إبليس بأن يستمر في كفره، وأنه قد استطاع أن يبني كمثل جنة الله سبحانه وتعالى، حيث أنذره هود – عليه السلام -، لكن من كثرة بطشه وكبريائه لم يستجب له، وعندما علم أن وكلائه انتهوا من بناءها، فقام بأخذ موكب معه كي يذهب إليها، حيث كان له ابنًا مؤمنًا بالله، يسمى مرتد بن شداد، وعندما قد قارب أن يصل إلى مدينة إرم أخذته صيحة واحدة؛ فدمرته هو ومن معه، فلم يبق لهم أثر؛ فمات شداد، وقام ابنه ببناء قبر له، وأحاطه بالذهب؛ لكي يثبت له بأنه لن ينتفع بأي من الذهب أو اللآلئ، وقد وضع على قبره لوحة مكتوبة بماء الذهب، كتب بها على لسان حال أبيه: اعتبرْ يا أيها المغرور بالعمرِ المديدِ أنا شدَّادٌ بنُ عادٍ صاحبُ الحصنِ المشيدِ وقد ملكتُ الشرقَ والغرب معًا بسلطانٍ قوى شديدِ فأتى هـــودٌ وكُنَّـــا في ضلالٍ مبين قبلَ هــودِ فدعــانا لو قَبِـلنــا كانَ بالأمــرِ الرشـــيدِ فعصينـاهُ ونادي: “ما لكم؟ هل من محيـدِ؟” فـأتتــنا صيــحةٌ تأتي من الأفـقِ البعيـدِ فتـوافَـيْنَــا كزرعٍ وَسْــطَ بيـــداءٍ حصيــدِ.
تعتبر قصة شداد بن عاد عبرة وموعظة لمن يتحدى الله تعالى، ويعتقد بأنه يستطيع خلق ما خلقه الله. وبالتالي ستكون نهاية كل كافر جاحد.
بناء إرم ذات العماد
شداد بن عاد كان دائمًا شديد البطش وكثير الغزوات على الممالك التي حوله، وقد كان ذا بأس شديد يعبد الأصنام، وكان مثقفًا في نفس ذات الوقت يقرأ الكتب التاريخية والدينية القديمة والتي كانت حينها نادرة الوجود، وأعجب بمصطلح الجنة كثيرًا وأراد بناء جنته الخاصة به وتحدي الخالق سبحانه وتعالى، وبدأ ببناء مدينة تشبه الجنة، وأخبر أمراءه بذلك وجمع قرابة عشرة آلاف رجل لتلك المهمة كما تذكر الكتب التاريخية، وقد كانوا رجال أقوياء البنية طوال القامة، وعراض الأكتاف، والساعدين، وبدءوا ببناء المدينة ببقعه يقال أنها أفضل بقاع العالم في ذلك الوقت وطبيعتها وهوائها هما الأفضل على الإطلاق.
قام شداد بن عاد بجمع ثروات من الذهب، والفضة، والمسك، والياقوت أيضًا وجمع ثروات البحار من الجواهر واللآلئ، وجمعها بكميات ضخمة وبدأ ببناء المدينة وطلائها بالذهب، وقد حفر أسفلها نبعًا للماء العذب، وأحاطاها بأسوار من المرجان والياقوت واللآلئ، وقد تتطلب بناء هذه المدينة أعوام كثيرة.
ويقال في بعض الروايات أنها خمسون عامًا ويقال في أخرى إنها مائة عام ويقال أيضا خمسمائة سنة وأنّ أحفاد شداد بن عاد أكملوا بناءها.
هلاك المدينة والنبي هود
بعث الله سبحانه وتعالى سيدنا هود عليه السلام لكي يدعو قوم إرم للإيمان بالله وترك عبادة الأصنام، فرفض قوم عاد وزاد موقفهم كفرًا وعنادًا، وأصروا على عصيان الله والتباهي بجنته التي يريد افتتاحها، كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الفيل، وقد ذكر في القرآن الكريم أنّ قوم عاد كانوا يسكنون في منطقة الأحقاف، وقد سلط الله سبحانه وتعالى عليهم العذاب والرجفة وتمّ القضاء على الكفار جميعهم والجنة التي بناها شداد بن عاد أيضاً.
آثار لمدينة إرم
وفي عام 1990 للميلاد تمّ اكتشاف مدينة قديمة تسمى أوبار بعد رحلات كثيرة وصعبة وشاقة جدًا من الاكتشافات والحفريات، وقد توصل العلماء لمعلومات تثبت أنّ هذه المدينة تكون مدينة إرم القديمة مدينة قوم عاد وقوم النبي هود أيضاً، وتمّ اكتشاف عمدان طويلة، ونظام ريّ، ونظام سقاية متطور جداً بالمدينة كما ذكر في القرآن الكريم من صفات المدينة، وقد تمّ الكشف على أنّ المكان كان خصبًا وجميلًا جدًا ومثمرًا ولكنه تحوّل في النهاية لصحراء قاحلة مليئة بالكثبان الرملية.