سيدنا يوسف أراد الخلاص من هذا الابتلاء، فاتجه مسرعا نحو بالباب، وامرأة العزيز انتزعت قميصه من الخلف، في هذه اللحظة دخل عزيز مصر. واضطرت إن تمكر وتبرئ نفسها وقالت لزوجها، ما عقاب من يريد انتهاك حرمة بيتك في غيابك ؟ فاقترحت أن يسجن، ولكن سيدنا يوسف دافع عن نفسه إنه بريء من مكرها وخداعها .
احتكموا لواحد من أهل البيت [ يُقال رجل عجوز] ..قال لهم نتتبع موضع تمزق القميص، فإن كان القميص ممزق من الأمام فإنها صادقة، وإن كان مُزق من الخلف فإن سيدنا يوسف هو الصادق، وظهر الحق وربنا أثبت براءته، عن طريق أحد من رجال أهلها. في قوله تعالي : ” فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ” .. [آية 28 : يوسف]
تأكد الزوج من خيانة زوجته، ولكنه لم يغضب ولم يثور ولم يضربها، واكتفي إن قال لزوجته استغفري لذنبك. وقال لسيدنا يوسف، لا تُلقي بال لهذا الموضوع، كأنه لم يكن. في قوله تعالي : ” يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا”
انتشر الخبر وتم تداوله بين القصور ونساء الطبقة الراقية. وعزمت امرأة العزيز على الثأر منهن. فأمرت بإعداد وليمة عظيمة لهن، و دعتهن داخل القصر وأمرت سيدنا يوسف بالدخول بينما كن مشغولين بتقطيع الطعام بالسكين. فكانت دهشة عظيمة من وسامته وجرحن أيديهن بالسكين، من وهل وعظم الموقف. فجماله ووسامته تنطبق على ملاك مكرم وليس ببشر عادي. وانتشت امرأة العزيز لانتصارها عليهن. قال سيدنا يوسف : ” رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ” .. وقال ملك مصر في هذه الحقبة من الزمن متسائلا : ” قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِه “
تمسك سيدنا يوسف بعفته ولجأ إلى ربه ليعصمه منهن .. في قوله تعالي : ” قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ” .. [آية 33 : سورة يوسف]
إستجاب ربنا لـعبده الصادق. ولكن كبراء الطبقة الراقية ــ وعلى رأسهم العزيز ــ قرروا يعزلوه و يسجنوه. في قوله : ” ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ” .. [ آية 35 : سورة يوسف]
دخل سيدنا يوسف السجن ظلم من دون محاكمة، كان يتأمل ويتفكّر ويدعو السجناء لدين الله بالعقل والإقناع والمنطق والليّن.
توسم فيه المسجونين خيرا، واشتهر بمحبتهم وثقتهم و سمعته الطيبة بينهم. في يوم دخل عليه رجلان يسردان أحلامهما ليفسرها لهم. قال لهم سيدنا يوسف إنه قادر على تفسير أحلامهم قبل موعد العشاء .. في قوله : ” قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ” و علل سبب معرفته بتأويل الأحلام في قوله : ” ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ¤ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ” .. [آية 37 ,38 : سورة يوسف]
فسر لها الرؤيتين بأن أحدهما سوف يُصلب على جذع شجر و الأخر سيخرج بعد براءته من السجن. طلب منهم سيدنا يوسف أن يذكروا للملك قصته و إنه مظلوم لكي يعفو عنه. ولكن من نجا منهم أنساه الحياة في القصر قصة سيدنا يوسف في قوله : ” فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ” ..[آية 42 : يوسف]