كان ياما كان:
تلك هي الكلمة التي كنا نبدأ بها القصص فيما مضى، عندما كنا صغار، كم كانت أيام جميلة حين نلتف حول الجد ليخبرنا بقصة جميلة من تلك القصص التي يعرفها، والتي جمعها في كل مراحل حياته، التي تنتهي بسعادة لكل الأطراف مع ضحكة تخرج من قلوبنا الصغيرة.
ثلاث فتيات:
أنها قصة تحكي عن ثلاث فتيات ووالدهن الملك، ذلك الأب حاد الذكاء، حتى أنه ذات يوم قرر أن يفعل شيئاً ما يجعله يعرف من هي الابنة التي تحبه أكثر، فهو اختبار لهن، بدأ بالابنة الكبرى، وسألها في براءة: “ابنتي، هل تحبينني كثيراً؟ قالت الفتاة على الفور: نعم يا أبي، ثم عاد ليسألها: وكم مقدار حبك لي؟، خرجت منها ضحكة وهي تقول لوالدها: أحبك مثلما يحب السمك البحر الذي يعيش فيه كل حياته، كانت إجابة ذكية من الفتاة، وقد أعجبت الملك، وقال لنفسه: “ابنتي غاية في الذكاء، فالسمك لا يمكنه أن يعيش في مكان آخر بعيداً عن البحر، واضح أنها تحبني وبشدة، أكثر مما كنت أظن بها، وكانت المفاجأة أنها أهداها قصراً كبيراً، والكثير من المجوهرات.
الابنة الثانية:
وجاء دور الابنة الثانية، عندما سألها نفس السؤال، وأجابت: أحبك يا والدي مثلما يحب الطير السماء التي هي ملاذه وملجأه، ومصدر ضحكة منه في هوائها، وكان لها ما كان لأختها من إعجاب لهذه الإجابة الرائعة، وأعطاها من المجوهرات الكثير، وقصراً جميلاً، مثلما فعل مع ابنته الأولى.
الابنة الصغرى:
تلك الابنة لها مكانة خاصة في قلبه، فهو يحبها كثيراً، وذلك لأنها أصغر فتاة لديه في بناته، وسألها مثلما فعل مع أختاها، وكانت إجابتها له: أحبك يا أبى حب الزعتر للشطة، فكان نصيبها قلم على وجهها من والدها الذي صار غاضباً غضباً شديداً، وجذبها من شعرها بقسوة، ورماها خارج قصره، ولم يعطيها فرصة لتتحدث معه، أو حتى تفسر له سبب الإجابة التي جعلته يغضب منها، تلك الإجابة التي لم تكن سبب في ضحكة والدها، بل جعلته في قمة غضبه.
المزارع البسيط:
ظلت الفتاة تجوب الشوارع وهي تبكي خائفة من كل شيء حولها، وتتلقي النظرات البشعة من الناس، وسمعت منهم كلاماً لا يليق بها، إلى أن صادفها مزارع بسيط، ولم يفعل معها مثلما فعل الآخرون، بل على العكس حاول أن يلفت نظرها إليه، وإلى حبه لها، وظل يحاول إلى أن أحبته وتزوجت به، وعاشا معاً حياة سعيدة ورائعة، وعادت إليها الضحكة التي هجرتها بعد طردها من قصر والدها، وهي الآن تعيش في كوخ بسيط مع زوجها، ولكنها في سعادة كبيرة.
الغابة:
ومرت لأيام، وكعادة الملك فكر في أن يخرج إلى الغابة ليصطاد الحيوانات، وكان يرافقه الحراس، وانشغل بالبحث عن فريسة يصطادها، ودون وعي منه ابتعد عن حراسه، وبحث عنهم طويلاً دون فائدة، فهو لا يرى أياً منهم، ولكنه مازال يسير في الغابة حتى وصل إلى الكوخ الصغير، وكان يشعر بالتعب والجوع الشديدين، فقرر أن يستعين بمن هم بداخل الكوخ ليطعمه ويجعله يرتاح ولو قليلاً من الوقت.
صاحب البيت:
بعد أن طرق الباب، فتح له رجل لا يعرفه، وعندما أخبره من هو وكيف أنه ضاع من حراسه وسط الغابة، سمعت الزوجة بداخل الكوخ صوت الملك، فتأكدت أنه والدها!!، ودخل الضيف إلى المنزل دون أن يدري أنه منزل ابنته التي طردها من نعيم قصره في يوم من الأيام، وطلب الرجل من زوجته ذبح دجاجتين كبيرتين ليأكل الضيف، وامتثلت الزوجة لطلب زوجها.
فكرة:
جاءت فكرة مدهشة على عقل الزوجة، عندما نادت على زوجها، وطلبت منه أن يأخذ بعض الزعتر والزيت، ويطعم به الزوج حتى يقل الجوع بداخله إلى أن تنتهي من تحضير الطعام له، ودون أن يدرى ما يدور بعقلها وافق الزوج، وأخذ الزعتر والزيت، وقدمه للضيف، وقال له: تفضل هذا الزعتر والزيت يجعل الجوع أقل إلى أن تنتهي زوجتي من تحضير الطعام لك.
رد فعل:
بمجرد أن تناول الملك قطعة صغيرة من الزيت والزعتر أصابه ألم شديد في بطنه، وتحدث بصوت عالي وغاضب مع الزوج الذي اندهش من رد فعل الضيف، الذي مازال يصرخ ويقول: ألا تأكلون الزعتر بدون شطة؟! وبدأ في البكاء وهو يتذكر ابنته الصغرى، ولكن الزوج مازال لا يعلم شيء، وأخبره أن زوجته ستنتهي من إعداد الطعام بعد القليل من الوقت، فلا تقلق ولا داعي للبكاء.
قصة:
أخبره الملك بقصة ابنته الصغيرة وما حدث معها، وأنه حزين على فراقها، وكم يتمنى أن تعود إليه مرة أخرى، وفوجئ الزوج بزوجته تخرج مسرعة من الداخل وترتمي في أحضان أبيها في سعادة وفرح، واعتذر الملك من ابنته، وقدم لها قصران بدلاً من واحد، والكثير من المجوهرات، وعاشا في سعادة كبيرة ومستمرة إلى الأبد.