أوضحت محاولة حسم منازعات عقود التجارة المبرمة عبر شبكة الاتصالات الدولية عن طريق القضاء الوطني المشاكل الناجمة عن تطبيق منهج قواعد التنازع القانوني والقضائي على هذه العقود, بسبب أنها لا تتلاءم مع طبيعة هذه المعاملات الجديدة, وذلك ما دعي إلى البحث عن أسلوب آخر أكثر مرونة وسرعة لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية الإلكترونية ألا وهو التحكيم في التجارة الالكترونية , الذي أخذت به أغلب التوجيهات الأوروبية والاتفاقيات الدولية من خلال السماح لأصحاب التجارة الدولية بالاحتكام إليه في حالة وجود خلاف أو نزاع بينهم وبين المتعاملين معهم.
ولا شك ان استخدام التحكيم التقليدي في تسوية منازعات عقود التجارة المبرمة عبر هذه الشبكة حقق نجاحاً كبيراً وملموساً في كثير من القضايا العملية التي تسويتها في المنظمات الدولية المعنية بالتحكيم, إلا هذا النجاح قد جانبه بعض العقبات التي فرضت على التحكيم تطوير نفسه من طوره التقليدي إلى طوره الإلكتروني ليتناسب مع متطلبات التجارة الدولية القائمة على استخدام آليات فنية تكنولوجية في إبرامها, وبالتالي سوف نبدأ بالبحث عن التعريف بالتحكيم الإلكتروني كوسيلة من الوسائل البديلة لتسوية منازعات عقود هذه التجارة, والمسائل القانونية المرتبطة بخصومة التحكيم الإلكتروني من حيث انعقادها والقانون الواجب التطبيق عليها, ونطاقها وكيفيته , والقوة التنفيذية لحكم الصادر من هذه الخصومة في التجارة الإلكترونية.
تجرى الكثير من المعاملات التجارية المبرمة عبر شبكة الاتصالات الدولية أو التجارة الإلكترونية بين أطراف غالباً ما يوجد بينهم تباعد في الأماكن, وقد تولد عن هذا التباعد واستخدام وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة منازعات قانونية تحتاج إخضاعها لهيئة أو محكمة مؤهلة لنظرها, أي هيئة أو محكمة تختلف عن المحاكم التي تنظر المنازعات العادية التي تنشأ عن معاملات تتم بطرق ورقية تقليدية, بالإضافة إلى أنها تحتاج إلى قواعد مختلفة عن القواعد القانونية التقليدية, إلا أن تسوية منازعات عقود هذه التجارة عن طريق التحكيم التقليدي في التجارة الإلكترونية ارتبطت معه بعض العقبات التي أفرزتها تطبيقات عملية لهذا التحكيم على منازعات عقود هذه التجارة, وذلك ما دفع إلى ضرورة تطوير أسلوب التحكيم. ليتناسب ويتلاءم مع الشكل الجديد لهذه العقود, فكان التحكيم الإلكتروني الذي لم يقتصر اللجوء إليه على منازعات عقود التجارة الإلكترونية فحسب, بل وأيضاً المنازعات الناشئة عن عقود تبرم بطريقة تقليدية, لذا من الأهمية بمكان أن نتناول تعريف التحكيم الإلكتروني والتقليدي وتقييمهما بالإضافة إلى مصادر التحكيم الإلكتروني, وطرق اللجوء إليه ومعرفته وتطويعه.
التعريف بالتحكيم الإلكتروني ومقارنته بالتحكيم التقليدي
تمهيد وتقسيم:
يهدف التعريف في المقام الأول إلى بيان الذات التي تنتظم عليه مفردات المعرف, بحيث تتكون له في الذهن صورة واضحة ومنضبطة, كما يهدف في المقام الثاني إلى تمييزه عن غيره مما قد يشتبه به لاشتراكه معه في بعض الذاتيات أو الصفات, والتعريف المحقق لهذه الأهداف هو التعريف الذي يعين جميع ذاتيات المعرف, فما هي ذاتيات التحكيم التقليدي والالكتروني التي تمكن من تصور حقيقتهما, وكيف يمكن التمييز بينهما وبين غيرهما مما يشتركوا معهما في بعض الذاتيات, ومن الأهمية بمكان هنا أن نذكر أهمية التحكيم في التجارة الدولية, والدور الذي يلعبه في تسوية المنازعات الناشئة عن عقودها, حيث وجد أصحاب هذه التجارة أن نظام التحكيم أكثر الأنظمة سرعة ومرونة لتسوية المنازعات الناشئة عن القيود المبرمة بينهما, وذلك سوف نتناوله من خلال النقاط التالية:
أولا: تعريف التحكيم التقليدي والتحكيم الإلكتروني:
ينبغي أن نبدأ بتعريف نظام التحكيم التقليدي, ونظام التحكيم الالكتروني, حيث تولد عن الأول نوع جديد من التحكيم يجرى عبر وسائل الاتصال الالكترونية وهو التحكيم الالكتروني, مما يستوجب تعريفه بالمقارنة بالتقليدي منه وذلك من خلال التالي:
تعريف التحكيم التقليدي:
يمثل مرافق القضاء بالدولة الآلية العامة لتحقيق العدل بين الأفراد في ظل ضمانات معينة, توفرها مجموعة من القواعد والإجراءات التي تكفل حل النزاع بين الأفراد وغيرهم , وذلك طبقا للنظام القانوني السائد.