من منا يحتفظ بذاكرته في رأسه سواء كان كبير أو صغير، نكتب بداية أي شيء لننسى نهايته، نحمل أي شيء لدقائق ويختفي ونقضي الوقت في البحث عنه، تطلب من ابنتك طلب ما، وتجدها تعود لك بشيء أخر لم تطلبه، رغم أنك سألتها كثيرًا ماذا تريد، تطلب الأم من ابنتها ملعقة، ثم تقف كثيرًا أمام أي شيء لتعود لتسألها ببراءة، ماذا طلبتي مني يا أمي، فهل جميعنا مرضى؟ أم هل أصيب الجميع بالزهايمر؟ نحن جميعنا مصابون بالنسيان الحديث، حيث أن كثرة النسيان التي نمر بها في حياتنا لا تعتبر مرض، وإنما يكون نتيجة لأسباب عديدة، ويزول النسيان بزوال هذه الأسباب.
لسنا في حاجة إلى جلسات العلاج الجماعي، ولا يوجد مصل لكثرة النسيان، حيث أن مشكلة النسيان ليست مرض من أمراض الشيخوخة مثلا ولا يشبه الزهايمر أو النسيان الذي يكون ناتج عن حادثة لشخص أو تعرضه للصدمات النفسية.
فلماذا ننسى الأشياء الهامة والتي يؤدي نسيانها إلى فوضى في حياتنا؟
من الملاحظ أنه كلما تقدمنا في العمر كلما زادت مشكلة النسيان لدينا وإضاعة الأشياء الهامة، فلماذا لم يصب أجدادنا في شبابهم بهذه المشكلة.
وإذا جاز لي التعبير فيمكن القول أن النسيان يكون نتيجة كسل الذاكرة وخمولها عن العمل، فهذه هي النتيجة المتوقعة من ظهور المذكرات الإلكترونية في كل هواتفنا، والتي جعلت من ذاكرتنا البشرية شيء مهمل لا نستخدمها في الاحتفاظ بأي شيء.
فلماذا نعاني من مشكلة النسيان ونحن من فعلنا هذا بأنفسنا، لقد أصبح كل شيء في حياتنا مسجل ومضبوط على وقت للتنبيه أيضًا، كل أرقام الهواتف محفوظة على التليفون، المواعيد الهامة، جداول الأعمال، أعياد الميلاد، وجميع المعلومات التي كانت من اختصاص الذاكرة البشرية تكفلت بها ما صنعته التكنولوجيا، تاركة لنا ذاكرة خاوية ومغبرة من قلة الاستعمال.
ومع قلة استخدام الذاكرة ظهر والامتناع عن استخدامها جعلها عاجزة عن الاحتفاظ بأبسط الأمور التي تحدث هي ذهاب أحد الأشخاص إلى الغرفة للقيام بشيء ما فينسى فور وصوله.
ليس الكسل العائق الوحيد للذاكرة فهناك قائمة طويلة من الأسباب التي تؤدي إلى النسيان، منها وضغوط الحياة والإرهاق وقلة النوم والتعب والتوتر والقلق، وفوضى عارمة في الأفكار وكثرة مشتتات التركيز.
للتغلب على كثرة النسيان عليك ما يلي:
الاهتمام براحة جسدك وعقلك والنوم لفترات كافية، حيث تعتبر هذه الأشياء من ثوابت الحياة، لأن تراكم التعب والإرهاق وقلة النوم وعدم الراحة يفقدك عقلك لا ذاكرتك فقط، لذا يحتاج الجسد إلى وقت كافي من الراحة حتى يعمل على استعادة صفاء الذهن والقدرة العقلية بما فيها الذاكرة.
كما يعتبر عدم التركيز والتوتر وتشتت الأفكار من أسباب مشكلة النسيان، ومع التقدم التكنولوجي كثرت المشتتات من حولنا وتناثرت الأذهان بين ألاف الأشياء في لحظة واحدة، لدرجة أن تذكر أحدها بوضوحٍ بعدها بدقيقتين أصبح أمرًا مستحيلاً.
يحتاج العقل البشري إلى التركيز وإعطاء كل شيء حقه وقدره، فإذا كان هناك شيء مهم وكنت حريص على أن تتذكره فيما بعد، فيجب أن تعطيه من تركيزك الكامل بعض الوقت لتحيط به الذاكرة وتتذكره.
ولا يبدو التأجيل المستمر أمر محبب من باب أنك ستتذكر القيام به بعدها، فطالما كنت قادر على القيام بالمطلوب منك فلا تؤجله وتحمل على ذاكرتك أشياء كثيرة ثم بعد ذلك تشتكي من نسيان الذاكرة ما أهملته أنت، فالذاكرة تحتاج إلى مساحة، تحتاج إلى أن تستعملها وتقلل من اعتمادك على المذكرات.