لعلّ الكثير يسألون و يتناقشون و يستفهمون .. كيف نتخلص من هذا الأمر الذي أرّقنا ليالٍ كثيرة؟
كيف نتخلص من الخوف؟ و لكن أيّ خوف؟
للخوف أنواع عدة و درجاتٌ متفاوتة و لكني سأخبرك كيف تتخلص من الخوف بشكلٍ عام.
أولاً و هي قاعدةٌ أساسيّة عليك الالتزام بها
ثق بالله ! توكل عليه .. و تقرّب منه! عندما تشعر بأن الله معك فماذا سيؤذيك؟
في الحديث
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَوْمًا فَقَالَ:
( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ).رواه الترمذي
إذاً ممَا الخوف؟ إن كنت تخاف من المستقبل فلماذا تستعجل الأمور؟
اعمل ليومك و كأنه آخر يومٍ لك.. أنت لا تدري متى تموت و إن كنت ستخاف من أمرٍ ما
فعليك أن تخاف من موت الفجأة أو سوء الخاتمة و لذا فعليك أن تدعو الله ( اللهم إني أسألك حسن الخاتمة و أن توفنّي و أنت راضٍ عني )
إن كنتَ تعلم بأنك مؤمن بالله ورسوله و كنت تتقرب من الله فماذا سيضرك ؟ من يشعر بقرب الله لن يشعر بالخوف من أي شيءٍ آخر
و أما إن كنت تخاف من الموت نفسه.. فأنت تفكر إلى أين المصير؟ إلى الجنة أم النار والعياذ بالله ؟
و لكن إن شغلت تفكيرك بهذا وبقيت جالساً لا تفعل شيئاً فقط خائفاً تنتظر يومك فماذا ستستفيد؟
عليك بالعمل لآخرتك وأن تسعى لرضا الله والله لن يضيع عملك بإذنه تعالى.
ولكن الخوف من المصير والخوف من الذنوب هو أمرٌ لا محالة ومع ذلك فعليك أن تسعى لنفسك
فحتى الصحابة الكرام كانوا يخافون ذلك
فعندما مرض أبو هريرة مرض الموت بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكنني أبكي لبعد السفر وقلة الزاد لقد وقفت في نهاية طريق يفضي بي إلى الجنة أو النار ولا أدري .. في أيهما أكون؟ وقد عاده مروان ابن الحكم فقال له شفاك الله يا أبا هريرة فقال اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي وعجل لي فيه فما كاد يغادر مروان داره حتى فارق الحياة.
و أما الخوف من قلة الرزق فعلى ماذا القلق و ربك الرزاق؟!
اسمع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ” لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا “
أي أنها تذهب جائعةً و تعود ممتلئة بالطعام .. فكما أخبرتكم التوكل على الله قاعدة أساسية تبعد الخوف من أي شيء
و إن أردت الطمأنينة فقد قال الله تعالى:
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (الرعد 28ـ 29)
و ننتقل إلى الخوف و الذي يسمى بالفوبيا .. و تعريفها : الفوبيا أو الخوف الشديد وهو مراحل متطورة من الخوف المتواصل والشديد وغير المعقول من شيء ما أو موقف معين مما يؤدي إلى تجنب هذا الشيء أو الموقف مما قد يتضمن العجز نهائياً. وتنشأ الفوبيا نتيجة التعرض لتجربة سلبية تنعكس على موقف الشخص الذي تعرض للتجربة من هذا الأمر وتجنب التعرض له مرة أخرى
و هي متفاوتة بين كل شخص ومتنوعة فبعضهم يخاف من الحيوانات وبعضهم من الحشرات
بعضهم من الأماكن المرتفعة وبعضهم من أشياء أخرى
وكما أخبرتكم سابقاً ففي النهاية التوكل على الله يذهب الخوف وأيضاً بالنسبة للفوبيا
فهناك بعض الطرق والتي رأيت بعضهم ينفذونها لإيقاف هذه الفوبيا
ألا و هي تعريض الشخص لما يخاف منه وجعله يتيقن بأنها غير ضارة ولا مؤذية
فقد رأيت تجربةً جيدة وقد نفذت على ثلاثة أشخاص مصابون بهذا الخوف
ولكن بدرجاتٍ مختلفة .. فقد تم وضع حشرةً في وعاءٍ زجاجي طلبوا منهم أن يلمسوها فقط
طبعاً شعر الجميع بالخوف في البداية و لكن قام أحد الباحثين بوضع يديه و أعطاهم الأمان بأنها لا تفعل أي شيء
فاقترب أحدهم وهو ذو درجة خفيفة من الخوف ولمسها
فإذا بالثاني والذي ذو درجة أكبر منه يتشجع فيقترب وقد تردد كثيراً قبلها ولكنه استطاع تنفيذ الأمر
وجاء دور الأخير وكان يشعر بالرعب وهو أكثرهم رعباً ولكنه عندما رأى الاثنين يجربان الأمر بدون أي خطر
شعر بالأمان نوعاً ما ومن ثم اقترب وبعد جهدٍ كبير ومعركةً مع نفسه استطاع فعلها
فكيف نحن ولدينا سلاحٌ قوي و هو التوكل على الله ؟!
هم شعروا بالأمان بعد رؤيتهم أنها لم تضر من قبلهم فلماذا لا نشعر بالأمان ونحن نثق بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
وبأن الله لن يضرنا ما دمنا متوكلين عليه بإذنه تعالى فكل أمر المؤمن خير
توكل عليه وسترى كل الدنيا أصبحت صغيرةً في عينيك لا شيء يخيفك ولا شيء يحزنك
و عندما تصبّ كل اهتمامك في طلب رضا الله لن يشغل بالك عملٌ غيره و ستنسى ذلك الخوف
كما أنه عليك أن تقوم بقراءة القرآن يومياً وحفظه وتدبره وبإذنه تعالى سيعطيك شعوراً مريحاً
وأماناً دائماً وعندما ترى ما يخيف استعذ بالله منه وتوكل عليه وسترى بأنه أمرٌ صغير لم يكن يستحق كل ذلك الخوف
وعليك بذكر الله دائماً حتى تذهب وسوسة الشيطان وهو من يعطيك هذا الخوف
وبالطبع لا تنسى حسن الظن بالله وهو من التوكل فقد قال الله تعالى في الحديث القُدُسي: (إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر)
و لكني أعيد القول بأنه يجب أن يكون توكلاً صادقاً نابعاً من القلب وحسن ظنك بالله يجب ألا يفارقك
وانتظر ولا تقل بأن الأمر لم ينفع فوراً بل عليك بالصبر وشيئاً فشيئاً سيذهب هذا الخوف وتشعر بالسرور بالقرب من الرب الغفور.
وفي النهاية سأذكر بعض الأحاديث المفيدة والتي تذهب الخوف
قال صلى الله عليه و سلم :
( حسبي الله و نعم الوكيل )أمان كل خائف “
و عن ابن عمر – رضي الله عنهما ـ قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة, اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي, اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي. صححه الأرناؤوط.
ومن ذلك ما رواه مالك في الموطأ: أن خالد بن الوليد قال لرسول الله صلى الله عيه وسلم: إني أروع في منامي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون.
وما رواه الإمام أحمد في المسند أن الوليد بن الوليد قال: يا رسول الله إني أجد وحشة، قال إذا أخذت مضجعك فقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فإنه لا يضر وبالحري أن لا يقربك.
(رواه أبو نعيم عن شداد بن اوس رضي الله عنه)