ترجع البدايات الأولى لفكرة إنشاء وطن خاص باليهود، يجمع شتاتهم ويكون حارساً على مصالح دول أوروبا الاستعمارية في الشرق، فمع نهايات القرن التاسع عشر انتقلت فكرة الصهيونية التي يتزعمها
” تيودور هرتزل ” مؤسس الحركة الصهيونية، من ومرحلة التنظير إلى حيز التنفيذ، وذلك بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل عام 1897م، وتجلى ذلك في سعي الصهيونيين الدائب للحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لليهود .
الطريق إلى وعد بلفور :
كان التفكير يتجه في البداية إلى منح اليهود وطناً في شمال أفريقيا، ثم تلا ذلك تحديد منطقة العريش ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل، فأتجه تفكير اليهود إلى فلسطين، وسعوا للحصول على وعد من تركيا صاحبة السيادة على فلسطين آنذاك لإنشاء وطن لليهود في فلسطين .
وسعى ” هرتزل ” إلى مقابلة السلطان ” عبد الحميد ” وحاول رشوته بمبلغ عشرين مليون ليرة تركية، مقابل الحصول على فلسطين، ولكن السلطان عبد الحميد رفض ذلك .
ولكن ذلك لم يثنِ ” هرتزل ” عن المضي في العمل على تحقيق مشروعه، وبدأ اليهود ينشرون فكرتهم على نطاق واسع في أوروبا، ووجدت الفكرة صدى وتجاوباً لها في الغرب لدى عدداً من الساسة والزعماء، وكان ( آرثر بلفور ) وزير الخارجية البريطاني، من أكثر المحمسين لها فقد كان معروفاً بتأثره بالفكر الصهيوني، وتعاطفه الشديد مع الصهيونيين .
وعلى إثر ذلك نشط الصهيونيين في التقرب من البريطانيين، وأخذوا يؤكدون لهم قدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها، وهكذا بدأ البريطانيون يضعون الخطوط الرئيسية لفكرة الوطن اليهودي .
وتركزت هذه الدعوة في البداية على إيجاد ملجأ للمضطهدين من اليهود المهاجرين ، ولكن الجانب الصهيوني عارض هذا الاتجاه، وأستقر الطرفان في النهاية على مشروع الوطن القومي .
وعد بلفور :
وبتكليف من الحلفاء أقدمت بريطانيا على تلك الخطوة الخطيرة، حيث أرسل بلفور في الثاني من نوفمبر عام 1917م، تصريحاً مكتوباً وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ” ليونيل والتر روتشيلد ” المندوب السامي، يتعهد فيه بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، الذي أشتهر بوعد بلفور فيما بعد .
في المقابل اختلفت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بين الدهشة والاستنكار والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل بها العرب وعد بلفور، أرسلت بريطانيا رسالة إلى ” الشريف حسين ” تؤكد فيها أن الحكومة البريطانية لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين السياسية والاقتصادية .
ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها للإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت .
دعم بريطانيا لقوافل الهجرة اليهودية :
عملت الحكومة البريطانية على تنفيذ وعد بلفور من خلال دعم الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، ففي الفترة بين عامي (1920م ، 1925م) في عهد المندوب السامي ” هربرت صمويل ” تضاعف عدد اليهود في فلسطين، كذلك ارتفعت عدد المستوطنات اليهودية من 44 مستوطنة سنة 1918م إلى 100 مستوطنة، كما أعترف بشكل رسمي بالمؤسسات النيابية للسكان اليهود مثل المجالس المحلية واللجنة القومية .
كما صادق مجلس عصبة الأمم عل صك الانتداب البريطاني على فلسطين، الذي تضمن وعد بلفور والعلاقة الخارجية بين الشعب اليهودي والفلسطيني، كما اعتبرت بريطانيا مسؤولة عن خلق الظروف لإقامة وطن قومي يهودي وتطوير مؤسسات الحكم الذاتي .
وأيضاً أعترف الندوب السامي بالوكالة اليهودية بشكل رسمي، وكان صدور وعد بلفور وسعي الحكومة البريطانية إلى تحقيق ذلك فاتحة الهجرة الثالثة والرابعة، حيث وصل للبلاد 62 ألف مهاجر يهودي خلال سنوات ( 1925م، 1926م )، وبذلك عملت الحكومة البريطانية كل ما بوسعها من أجل دعم الهجرة اليهودية وتنفيذ وعد بلفور .
وبذلك أعطت بريطانيا كما يقال ” وعد من لا يملك لمن لا يستحق “، وحقق الصهاينة حلمهم في إقامة دولة يهودية في 15 مايو من عام 1948م، بعد أن حضت بعضوية الأمم المتحدة بضغط من الدول الكبرى .