تتجلى فائدة ما يتناوله الإنسان يومًا بعد يوم، مُصاحبةً لم يشهده العالم من التقدم في معرفة محتوى الأغذية واتخاذها وسيلة للتطبيب، مما يجعلنا في حالة من التعجب والذهول أمام إبداع الخالق سبحانه وتعالى، فتجوب مخيلتنا أسئلة كثيرة حول قدرة تلك الموارد الطبيعية المستخرجة من الأرض أن تُعالج مئات الأمراض التي تهاجم أجسامنا وتؤرق مضاجعنا، ولكن استطاع العلم الحديث أن يُحد من تلك التساؤلات موضحًا المركبات الكيمائية للأغذية وتأثيرها على العمليات الحيوية داخل جسم الإنسان، ومفسرًا طرق المعالجة من الآفات والأمراض التي تصيب الإنسان.
ومن اللافت للنظر أنه يُذاع صيت أغذية في فصول دون غيرها؛ لما تقوم به من تعويض لاحتياجات الإنسان لتتلاءم مع المحيط الخارجي، ومن تلك الأغذية البليلة التي تعد من أكثر الوجبات الشتوية الساخنة الغنية بالفوائد والمانحة للطاقة والنشاط على أعلى مستوى، فهي تحتوي على العديد من المغذيات والفيتامينات والبروتينات والأملاح المعدنية والألياف والنشويات مما يجعلها من أغنى الوجبات الصحية والمفيدة للصغار والكبار، بالإضافة إلى أنها تقي من الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي والتناسلي والعصبي والمناعي وغيره.
فالبليلة أكلة شعبية عربية منتشرة في أغلب المجتمعات العربية وهي نوعان: نوع يتكون من حبوب القمح مع اللبن كما هو متعارف عليه عند أهل مصر، والنوع الآخر يتكون من الحمص المغلي مع الكمون كالدارج عند أهل الشام والحجاز والعراق وكلاهما يحتوي على قيم غذائية عالية ومتنوعة.
فالنوع الأول: يبين لنا فائدة دخول حبة القمح الكاملة فيه. فحبة القمح الكاملة (بدون تقشير أو معالجة ) أغنى في الفائدة الغذائية من القمح المقشور والمعالج (الدقيق)، فالحبة الكاملة تتكون من ثلاث مكونات رئيسية وهي : الإندوسبيرم، النخالة، وجنين القمح .فالإندوسبيرم تشكل 80% من الحبة وبها النسبة الأكبر من النشويات والبروتين، أما النخالة تعتبر القشرة الخارجية لحبة القمح وتحتوي على النسبة الأعلى من الألياف، الحديد، الزنك، الماغنسيوم، وفيتامين “ب1” و “ب2” و “ب6″، وكما يعرف جنين القمح أنه الأعلى فائدة بالرغم من صغر حجمها فهي تحتوي على 18% من الألياف، الماغنسيوم، الحديد، الفوسفور، الزنك، فيتامين “ه” وفيتامين “ب المركب “.
فالفوائد الكامنة داخل البليلة المصرية والتي لها دور كبير في علاج الأمراض تتلخص في دورها الكبير داخل الجهاز الهضمي، فعند نقع القمح في اللبن تؤخر الألياف عملية انتقال اللبن من المعدة إلى الأمعاء مما يعالج مشكلة عسر الهضم، وعند امتصاص الجلوكوز تُحولها الألياف إلى مركبات مفيدة في القولون فتقضي على مشكلة الإمساك.
كما أن تلك الألياف تُشعر بالامتلاء والشبع نتيجة لطول فترة مُكوثها في المعدة مما يكون له دور رئيسي في عملية التخسيس، فهي تستغرق وقتًا أطول في الهضم من الكربوهيدرات العادية، ونجد أنها تحتوي أيضًا على حمض اللينوليك فتقوم بالتخلص من الدهون المتراكمة وتساعد كذلك على احتراقها.
فوائد البليلة لمرضى السكر:
وأيضا تقوم الألياف بالسيطرة على نسبة السكر في جسم الإنسان من خلال تحسين نسبة امتصاصه ووصوله للدم وتقلل من امتصاص الدهون والكوليسترول وكذلك نسبة الإصابة بحصوات المرارة.
فوائد البليلة المتعلقة بالمناعة:
وغنى القمح بمضادات الأكسدة مثل: فيتامين “ه”، السيلينيوم، والأحماض الفينولية يحافظ على صحة الجسم وحيويته ونشاطه، وكذلك احتواء القمح على العديد من المعادن والأملاح المعدنية تُقوي المناعة وتُعززها وتقلل من الآلام المزمنة وخطر الإصابة بالروماتيزم، ودخول فيتامين “ب ” في مركباته مفيدًا في تقوية الأعصاب والمخ ويساعد أيضًا في عملية تنشيط الأجهزة التناسلية، ولاحتواء قشرتها على الفوسفور تعمل كمنشط جنسي بشكل فعال، كما أن الماغنسيوم الداخل في محتوى القمح يساعد العديد من الأنزيمات الحيوية على زيادة كفاءة الأنشطة الحيوية والتحويلات الكيمائية المفيدة داخل الخلايا.
ولا شك مع تلك الفوائد العظيمة أنها تساهم في تقليل الإصابة بمرض السرطان، كسرطان الثدي والأمعاء والقولون فالألياف داخلها تُسرع بإخراج السموم من الجسم عن طريق طرد الفضلات وتنظيف الأمعاء.
طريقة إعداد البليلة بطريقة مفيدة وصحية:
ومع تلك الفوائد الجليّة فهي أيضًا سهلة الصنع ورخيصة المكونات لتُتيح لجميع الفئات والطبقات الغنيمة بفوائدها، فتوضع البليلة مع الماء حتى تُسلق وبعد تصفيتها من الماء يوضع عليها اللبن الساخن.
ويضاف إلى البليلة ملعقة واحدة من عسل النحل الطبيعي لإنقاص الوزن، أو يستبدل ملعقة العسل بالقليل من السكر وبعض المكسرات لعلاج ضعف الجسم ونحالته.
ووجود اللبن المختلط بحبوب القمح يساعد على نضارة البشرة وحيويتها، ويقوي الأسنان والعظام ويحد من خطر الإصابة بروماتيزم العظام لم يحتويه اللبن من عنصر الكالسيوم، البوتاسيوم، الحديد، اليود، وحامض الفوليك، وغناه بالبروتين يساعد في بناء الكتلة العضلية ويخفض من معدلات ضغط الدم المرتفع، كما أنه يُنصح به أيام الامتحانات للطلبة لتقليل من التوتر، ووجود فيتامين “أ” و” ب ” مقوي جيد جداً لحاسة الإبصار.
أما النوع الثاني: فهو الحمص الذي أعرب وأشاد به العديد من أطباء العرب منذ القدم ومنهم ابن سينا الذي قال: أنه يحمي الجسم من سائر الأورام والقروح الخبيثة ويعالج الحكة والأورام تحت الأذنين ووجع الرأس ويفتح سدد الكبد والطحال، وهو نوع نباتي من فصيلة البقوليات ويشبه الفول إلى حد كبير مما يجعله من رتبة الفوليات ويطلق عليه (الفول المحمص) ولشدة غناه بعنصر البروتين التي تصل إلى 20% من محتواه يعد بديلاً للحوم الحمراء عند عدم توفرها فهو يعطي الجسم حاجته الكافية من البروتين، ويؤكل مسلوقًا أو مطبوخًا أو مسحوقًا.
طريقة تحضير البليلة المكونة من الحمص:
ولتحضير البليلة منه يتم غليه ووضعه مع الكمون وإضافة مخلل الخيار، والخل والبهارات حسب الرغبة.
فوائد هذا النوع من البليلة:
فهذا النوع من البليلة ليس أقل فائدة من النوع الأول فهو يعالج الكثير من الأمراض ومن هذه الفوائد أنه يساعد في التخلص من الديدان المعوية وذلك عن طريق نقع حمص الشام في الماء والخل لمدة يوم وليلة وتناوله على معدة خالية، كما أن غلي الماء الخاصة به وشربها يساعد في معالجة انسداد الشهية وعسر البول، وينصح به في معالجة سقوط الشعر وتقوية بصيلاته من خلال تدليك الشَعر بمائه بعد غليه، كما أنه يساعد على تنقية البشرة وترطيبها وتقشير وإزالة الجلد الميت منها، وتستخدمه شركات التجميل في صنع الكريمات، لمنع ظهور التجاعيد، ويدخل في ماسكات التخلص من النمش ، ولأنه أقل إنتاجًا للمواد المسببة للحساسية، يستخدم كبديل للحليب الخاص بالأطفال عوضًا عن زيت الصويا، وهو علاج جيد للصداع والتهابات الحلق والصدر كما أنه مسكن للآلام وخاصة آلام الظهر والرئة ،وتتعاظم أهميته للمرأة الحامل فاحتوائه على البروتين يساعد على إدرار اللبن وهو من أهم المكملات الغذائية كما أنه يزيد من نسبة امتصاص الكالسيوم في الجسم أثناء فترة الحمل.
ويساعد المرأة النفسّة على التخلص من كميات الدم المتبقية وينقي الرحم، واحتوائه على مواد الأكسدة مثل: مادة البوليفينول تحد من الإصابة بأمراض القلب والضمور البُقعي والاضطرابات المعرفية مثل الزهايمر، وبما أنها وجبة شتوية فلا مجال للشك أنها عامل مهم في عمليات التخسيس فعنصر البروتين يساعد على إزالة الدهون كما يقلل من نسبة الكولسترول في الدم عن طريق مد الجسم بالألياف التي يحتاجها بدهون قليلة مما يساهم في خفض نسبة الكولسترول.
فسبحان من سخر ما تنبته الأرض لخدمة الإنسان لينعم بالراحة والعافية.