الدعاء هو عبادة كسائر العبادات بل يمكننا القول بأن الدعاء هو أصل العبادة إذ أن أصل العبادة التذلل والخضوع والمسكنة لله تعالى وعندما ندقق النظر في الدعاء نجد أنه يتضمن الخضوع والخشوع والذل لله تعالى حتى يستجب الله دعوة الداعي, وهناك أوقات تكون الدعوة مستجابة فيها مثل الدعاء بين الأذان والإقامة, والدعاء في السجود لأن أقرب ما يكون العبد لله وهو ساجد, والدعاء قبل الإفطار للصائم وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة البقرة (( وإذا سألك عبادي عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان )) , فالعبد عليه الدعاء لله بخشوع والله سبحانه وتعالى وعد باستجابة الدعوة .
ومن فضل الدعاء أن الله تعالى جعل له أثر عظيم في رد القضاء وهذا هو محور مقالي, وهو علاقة الدعاء برد القدر, سنوضح أولا بعض المعاني ثم نجيب على سؤال هل القدر يرد الدعاء؟ وهى :
تعريف الدعاء ؟
الدعاء لغة : مصدر من دعا يدعو دعاء ودعوة, ويأتي الدعاء بمعاني كثيرة, مثل أن يأتي بمعنى الاستغاثة كما قال الله تعالى ( ودعوا شهدائكم ) , ويأتي بمعنى النداء كما قال الله تعالى ( يوم يدعوكم ) , ويأتي الدعاء بمعنى الثناء كما قال تعالى ( قل أدعوا الله أو أدعوا الرحمن ) , ويأتي أيضا بمعنى السؤال كما قال تعالى ( آدعونى أستجب لكم ) , ويأتي بمعنى التسمية كما قال تعالى ( آ تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعض ), ويأتي بمعنى العبادة كما قال تعالى ( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ) .
الدعاء شرعا : استدعاء العبد من ربه العناية, وإستمدداه إياه المعونة, وقال الخطابي في تعريف الدعاء أنه ثناء العبد على ربه وتعظيمه, وطلب حوائجه منه سبحانه وتعالى, وقيل الدعاء هو الطلب على سبيل التضرع .
ما هي حقيقة الدعاء ؟
حقيقة الدعاء هي استشعار الافتقار إلى الله تعالى الذي من أسمائه الغنى, والحاجة إلى المغنى, والشعور بالذل بين يدي العزيز, والشعور بالضعف بين يدي القوى, وقال الخطابي في حقيقة الدعاء: انه إظهار الافتقار إلى إليه عز وجل, والتبرؤ من الحول والقوة, واستشعار الذلة البشرية, وإضافة الجود والكرم إلى الله تعالى ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( الدعاء هو العبادة ) .
ما هو القضاء والقدر ؟
الإيمان بالقضاء والقدر واجب هو الركن السادس من أركان الإيمان, ففي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إجابته عن الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره .
ومعنى القضاء والقدر: الإخبار عن تقدم علم الله بما يكون من أفعال العباد, وصدورها عن تقدير منه عز وجل, وخلق هذه الأقدار خيرها وشرها, وليس معناه كما يتوهم البعض الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وقدره الله.
والقدر هو : أسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر .
والقضاء في هذا معناه الخلق , كما قال تعالى ( فقضاهن سبع سموات ) أي خلقهن سبع سموات .
هل القدر يرد الدعاء ؟
وردت أحاديث كثيرة تدل على أن الدعاء يرفع البلاء, ويرد القضاء, فالدعاء من القدر الذي لا شيء أنفع منه في رفع الضرر أو جلب النفع .
فعَنْ سَلْمَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ )) لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ )) .
وعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنهما قالت : قال رسول الله : (( لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ )) .
فهذه الأحاديث واضحة الدلالة على أن الدعاء يدفع البلاء، ويرد القضاء.
فالدعاء من أنفع الأدوية, وهو عدو البلاء, فيدفعه ويمنع نزوله على العبد, وإذا نزل البلاء الدعاء يخففه, والدعاء سلاح المؤمن كم قال الرسول صلى الله عليه وسلم (( الدعاء سلاح المؤمن, وعماد الدين, ونور السموات والأرض )) .
للدعاء مع القدر ثلاثة مقامات:
المقام الأول: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه عن المؤمن .
المقام الثاني : أن يكون الدعاء أضعف من البلاء, فيقوى عليه البلاء, فيصاب به العبد ولكن قد يخففه عن العبد وإن كان البلاء ضعيفا .
المقام الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل منهما صاحبه .
فيجب على المؤمن أن يدعوا الله تعالى عندما يكون في محنة أو شدة أو وقت الضيق أو الخوف أو الفزع, وينبغي أن يقوى دعائه حتى يدفع به البلاء وذلك بأن يكون الدعاء خالص لله تعالى وفيه خشوع وذل وضعف وانكسار لله تعالى, وأن يتوافر في الدعاء أدابة وشروطه .