عندما يأس هود عليه السلام منهم، أراد أن يبرأ نفسه أمام الله، فقال لهم أشهدوا وليشهد الله عليكم، بأني بريء منكم ومن آلهتكم، في كتابه الكريم ” قال إني أُشهد الله واشهدوا أني بريءٌ مما تشركون) “آية 54 : سورة هود)
وتحدى قومه ــ سيدنا هود ــ قائلاً إن كنتم قادرين على قتلي فإقتلوني، في قوله تعالي : ” فكيدوني جميعاً ثم لا تُنظِرون ¤ إني توكلت على الله ربي وربكم ” (آية 55 ,56 : سورة هود)
وختم هذا التحدي بالتوكل على الله فهو حسبه، ليوضح لهم أن لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنه يتبرأ من حوله وقوته لحول الله وقوته، وهذا سيثبت لهم قوة الله، فهو أقوى من كيدهم مجتمعين، سيدنا هود لم يخف من اجتماع أشد الناس عليه، وطمأن نفسه إن رب العزة هو خير حافظاً، في كتابه الكريم” إن ربي على كل شيء حفيظ ” (آية57 : سورة هود)
فقال لهم ما من دابة إلا ورب الكون هو المُتحكم الوحيد في مصيرها، في قوله تعالى : ” ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ” (آية 57 : سورة هود)
وهنا استخدامه لكلمة” أخذ بناصيتها “دليل على ذُل كل المخلوقات وخضوعهم التام لله، والناصية هي مقدمة الرأس، والعرب زمان كان عندما يرغب أحدهم في إثبات سُلطته على إنسان، كان يشده من مقدمة رأسه ــ ناصيته ــ دليل على خضوعه له، و هذا حال سائر المخلوقات مع رب الكون، فالكل خاضع له، ولسُلطته وجبروته وعدله سبحانه، فيشد الله بناصية المسلم برفق ولين ويكون أحن عليه من أهله، ويشد بناصية الكافر بشدة و يقول له ” ما غرّك بربك الكريم “
وأضاف إلى قوله بتبليغهم إنهم إن أصرّوا على إعراضهم وتكذيبهم لرسالته، فهو قد قام بتبليغ رسالته على أكمل وجه، ورب العباد هو المطلع والشهيد عليهم وسيحاسبهم، ويقدر جل جلاله على تغييرهم أو تبديلهم في لمح البصر إن شاء بقوم آخرين وذكر في كتابه الكريم” فإن توّلوا فقد أبلغتكم ما أُرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً ” .. (آية 57 سورة هود)
فاغتروا قوم عاد بقوتهم، وأنساهم الشيطان إن الله وحده الملك الجبار، فقالوا في قوله : ” من أشد منا قوة ” .. (آية 15 سورة فصلت)
واستعجلوا العذاب في قوله : ” فأتِنا بما تعِدُنا إن كنت من الصادقين ” (آية 32 : سورة هود)
سيدنا هود رد عليهم وبلّغهم إن بإصرارهم وعِندهم وخبث نفوسهم وتحدّيهم هذا وَجب عليهم الغضب الإلاهي المُسبب للعذاب العذاب الذي جعله الله من الأول نصيب كل من كفر وأصرّ وأستكبر مادُمتم إستعجلتم العذاب وتحققت فيكم مُسببات غضب الله وعقابه؛ فانتظروه وترّقبوه في أي لحظة يأمر بها الله حسب حُكمه وحِكمته في قوله عز وجل : ” قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ )آية 71 :سورة الأعراف(
و قد كان العذاب على مرحلتين حر شديد مع انقطاع تام في المطر، ثم هبوب رياح قاسية مرعبة تعصف بكل شيء يُعيق طريقها وتقتلعه من جذوره.