الإفطار العلني في رمضان أضحى أحد المواضيع التي تثير الجدل, و التي تتضارب الآراء حولها ؛ فالمفطرون يعتبرون منعهم عن الأكل أو الشرب سلطة, فهذا بنظرهم يتحكم بحريتهم الشخصية. ولا يأخذ بعين الاعتبار حقوقهم الدولية… بينما يعتقد الملتزمون بالصيام فيه أن الإفطار جحود, ومخالف لما جاء به تعاليم الدين الإسلامي الحنيف…
فشأن المفطرين في رمضان, كشأن تاركي الصلاة…لأن الصلاة والصيام ركنان من أركان الإسلام.
لكن الواقع المرير هو أن من يعاني مشكلة مع المفطرين في رمضان لا يعاني مشكلة مع تاركي الصلاة في الأشهر الأخرى, وهذا فيه تناقض بليغ, وواضح…بل نجد من يهاجم مفطرا وهو لا يصلي…
فرمضان, تحول من شريعة دينية في مجتمعنا إلى ظاهرة اجتماعية,
و تحول من شهر يستغله المسلمون للعبادة والتقوى, إلی شهر للكسل و المسلسلات والفوازير…
إقامة الشعائر أكثر أهمية من القيم الأخلاقية لكن في عصرنا أضحى العكس هو الصحيح, فالمجتمع لا يلقي بالا للغش و شهادة الزور, و أكل مال اليتيم و نقض العهد .. ويتساهل مع قتل النفس بغير حق … بينما يتشدد في المقابل مع تارك الصلاة و المفطر في رمضان…
وقد تم اختزال إشكالية الإفطار العلني في نهار رمضان في نقطة الاستهزاء بالصائمين و تم اللعب علی هذا الوتر ليتحول النقاش إلی قضية ازدراء الدين و يكون بذلك الشجرة التي غطت غابة معضلة الإفطار العلني.
ربما يعتقد البعض أن معاقبة المفطرين و التهجم عليهم. يدخل في نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهذا مردود عليه لأن مفهوم النهي عن المنكر لا يعني التسلط علی الناس، بل هو التواصي بين أفراد المجتمع بالحق و الخير و الصبر عبر النصيحة و الكلمة الطيبة.
فهم ليسوا أعلی شئنا من خير المرسلين الذي لم يعرف عنه أنه عاقب تارك الصلاة أو الصيام ، بل أكثر من ذلك، فرسول الله عليه الصلاة والسلام لن يكن مسئولا عن إيمان من حوله بدليل قوله عز و جل
“لست عليهم بمسيطر.”
“ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِين”
فالعلاقة بين الإنسان وربه طابعها الخصوصية, و لا دخل لأي كان بها…
معظم الدول الإسلامية و العربية تجرم الإفطار العلني في نهار رمضان.
نعم، الإنسان حر في أن يكفر بالدين لكنه ليس حرا في إهانة المقدسات و الإساءة إليها.
قال تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ:”
التشريع القرآني ركز أكثر علی رخص الإفطار للمسافر و المريض و لمن لا طاقة له بالصيام, بينما لم يتكلم في عقوبة الإفطار بغير عذر علی النقيض من أرباب الدين الأرضي و سدنته.
كفارة صيام شهرين متتابعين للمفطر في رمضان لا وجود لها في القرءان! علی أنها جاءت في كتاب الله في موضعين اثنين فقط : في سورة النساء في حق القتل الخطأ و في سورة المجادلة عن الظهار ..
ولم يأمرنا الله عز وجل بإرغام الناس علی الصلاة و الصيام بل بالتبرؤ مما يفعلونه.
“فقل إني بريء مما تعملون”
يجب أن يعي الصائمون و المفطرون أنهم جميعا محمولون علی سطح نفس السفينة، فإما أن يحافظوا علی توازنها من أجل العيش فيها بسلام و إما سيستمرون في نخرها إلا أن تغرق بهم جميعاً ! ..