تمخض عن التطور التكنولوجي في إبرام وتنفيذ عقود التجارة الدولية عبر شبكة الاتصالات الدولية استحداث وسائل بديلة لتسوية المنازعات الناشئة عنها بالإضافة إلى التحكيم الإلكتروني مثل المفاوضات الإلكترونية, والوساطة الإلكترونية, والتوفيق الإلكتروني, إلا أن التحكيم الإلكتروني يفرق عن تلك الوسائل, فالمفاوضات الإلكترونية هي أكثر الطرق البديلة انتشارا وأقلها تعقيدا في التحكيم الإلكتروني, فهي آلية تبحث عن إيجاد اتفاق عرفي بين طرفي النزاع دون تدخل أي شخص أثناء الإجراءات وتجرى المفاوضات بين الطرفين بمساعدة وسيلة اتصال معينة قد تكون عن طريق التليفون أو عن طريق تبادل الرسائل عبر البريد الإلكتروني أو عن طريق الفاكس أو التلكس في التحكيم الإلكتروني, وهذه المفاوضات تمكن الطرفين من التحاور بينهما للوصول إلى تسوية مناسبة للنزاع الناشئ بينهما وذلك بطرح حلول نموذجية أو حلول تم التوصل إليها من قبل في منازعات مماثلة في التحكيم الإلكتروني.
ويتضح من التعريف السابق للمفاوضات الإلكترونية أن الفارق الأساسي بينها وبين التحكيم الإلكتروني يكمن في سريان إجراءات تسوية النزاع عن طريق المفاوضات دون تدخل شخص ثالث, في حين أن التحكيم يخضع الطرفان منازعاتهم, إلى شخص ثالث تكون له سلطة إصدار حكم تحكيمي في التحكيم الإلكتروني, بالإضافة إلى أن المحكم غالبا ما يطبق في تسويته لحل المنازعات قواعد قانونية, ولكن بالنسبة للمفاوضات, فغالبا ما يتم اللجوء إلى حلول عرفية غير مستمدة من قواعد قانونية محددة وإنما تستسقى من مجرد إجراء مقارنات حسابية بين طلبات كل طرف للتوصل إلى حل وسط بينهما وأخيرا فإن المفاوضات غالبا ما تنتهي باتفاق بوقعه الطرفان في حين أن التحكيم ينتهي بحكم تحكيمي يكون ملزما للطرفين, إلا أن النظامين يتفقان في ضرورة التراضي والموافقة على اللجوء إلى هذه الوسيلة أو تلك من جانب طرفي النزاع, أما الوساطة الإلكترونية فهي وسيلة من وسائل تسوية المنازعات يحاول الأطراف بمقتضاها إدارة تسوية النزاع عن طريق تدخل شخص ثالث محايد ونزيه لا يتمتع بسلطة قضائية, ولكن يحاول أن يقود الأطراف إلى اتفاق لتسوية المنازعة استنادا إلى قواعد محددة أو قواعد العدالة التي تفرضها طبيعة العلاقة بين الطرفين المتنازعين, وتتركز مهمة هذا الشخص المحايد في الحصول على موافقة الطرفين على الحل الذي ينتهي إليه.
وتختلف الوساطة الإلكترونية عن التحكيم الإلكتروني من عدة وجوه
الأول يتعلق بالعلاقة التي تربط بين طرفي لنزاع وسبب اختيارهم لهذه أو تلك, فبينما تجرى الوساطة بين أشخاص تربط بينهم علاقة وثيقة ويعرف كل منهم الآخر معرفة جيدة, ويخضعوا علاقاتهم أو منازعاتهم لشخص ثالث يحدد أوجه الخلاف والتقارب بين وجهات نظرهم, وذلك من أجل التوصل إلى حل يلبى رغباتهم بينما التحكيم لا توجد بينهما علاقات سوى لا علاقة الناشئ عنها النزاع, والتي بإنهائه يذهب كل إلى طرف إلى وضع ما قبل النزاع, بمعنى آخر إن اللجوء إلى الوساطة الإلكترونية .
من أجل الحفاظ على استمرار العلاقات فيما بين الطرفين وعد القضاء عليها, بينما يتم اللجوء إلى التحكيم بين أطراف لا تربط بينهم علاقات وثيقة ويستوي لديهم استمرار التعامل بينهم من عدمه ووجه الاختلاف الثاني بين الوساطة والتحكيم في أن التحكيم يتمتع المحكم بسلطة قضائية تمنحه القدرة على إصدار أحكام وقرارات ملزمة للطرفين في النزاع , نجد أن الوسيط لا يتمتع بمثل هذه السلطة, وإنما يتمتع بسلطة اقتراح الحلول على الطرفين, فالمحكم يحكم فقط , بينما أن الوسيط يقترح, وفارق كبير بين الأمرين, ولذلك فإن الحيدة والاستقلال تعدان صفتان أساسيتان في المحكم في التحكيم الإلكتروني, أما بالنسبة للوسيط فتعد قدرته على التقريب وإقناع الأطراف بما يتوصل إليه من حلول أمراً لا غنى عنه, وثالث اختلاف بين هذين النظامين, أن الوساطة يحق فيها لطرقي النزاع الانسحاب في أية مرحلة من مراحله كانت عليها الوساطة في حين أنهما لا يتمتعان بنفس هذه الإمكانية في حالة التحكيم الإلكتروني, ويعد هذا الفارق أمراً منطقياً للطابع الإلزامي للتحكيم في التحكيم الإلكتروني سواء من ناحية الإجراءات, أو من ناحية حكم التحكيم, والطابع غير الإلزامي للوساطة.