قصة ملك:
هو ملكاً من سلالة الملوك، ولكنه مغرور ومعجب بنفسه كثيراً، ويعتقد أن الله خلقه مختلفاً عن جميع خلقه، بل أنه أفضلهم جميعاً، ويؤكد أنه لم ولن يشعر بالخوف طوال حياته، ودائم الحديث عن دمائه الزرقاء، حتى في مجلسه، فقط يجتمع معه من هو منافق ومداح والكثير من الشعراء، حتى يخبرونه بالشعر والغزل عنه وعن حياته، لا يخلو جدار من اسمه المنقوش عليه، وكأته يريد أن يذكر العالم بوجودهـ حتى صورته فقد أمر بأن تُرسم على دراهم المملكة وكذلك على الدنانير، كم هو مغرور ومتعجرف.
موكب:
وأثناء مرور موكبه كعادته كل يوم، رأي رجل يعمل بحماس شديد، وكأنه لا يكل ولا يمل من العمل، وحوله مجموعة من الجماجم والعظام، فأثار فضول الملك بداخله، وقرر أن يسأله عما يفعل؛ وعندما توقف الموكب بأمر من الملك، نزل الملك ليسأله عما يفعل؛ وكانت إجابة الرجل على سؤال الملك من أغرب ما يكون، فقد قال له أنا هنا من أجلك يا مولاي!! وسأله الملك في تعجب، وكيف ذلك؟! اقترب الرجل منه في بطء وهو يقول في همس لقد جرت معركة قديماً في هذا المكان وكانت نتيجتها هي قتل ملكنا السابق والذي هو أبوك رحمه الله، لذلك أردت أن أقوم بتجميع عظامه.
شيئاً مدهشاً:
أراد الرجل البسيط أن يجمع بقايا العظام الخاصة بالملك السابق من الطريق ليدفنها في مكان خاص يليق بذلك الملك العظيم، الذي لا يعرف الخوف ولا يهاب أحداً، ولكني –للعجب- عثرت على شيئاً مدهشاً، وتحرك وأمسك ببعض العظام وقرّبها من الملك؛ وهو يقول أنها تلك العظام يا مولاي التي تم العصور عليها، هل تراها جيداً يا مولاي، أرجو منك أن تنظر إليها جيداً.
الفرق:
أراد الرجل البسيط أن يخبر الملك شيئاً ما، ولكن ما هو هذا الشيء؟ أنه سأل الملك هل لك أن توضح لي الفرق بين عظام أمير وعظام فقير؟ بين بقايا الشحاذ والغنى؟ بين هيكل جندي بسيط، وقائد عظيم، كما ترى يا سيدي أنها واحدة لا فرق بينهما، إن الأرض جعلتنا سواسية!! تلك الأرض التي تنتظر قدومنا إليها، من كان منا كبير أو صغير، أنها تبتلع كل شيء في داخلها، حتى الكبار، هؤلاء الذين لديهم الكِبر والغرور، وكانوا على اعتقاد خاطئ وثقة مزيفة بأن الأرض لن تأتي بغيرهم، وأنهم هم سبب البهجة والزينة للدنيا ومن فيها، حتى أنهم لم يفكروا في الموت ولا الخوف منه.
الشفقة:
حتى أن هؤلاء الأشخاص بلغ بهم مبلغهم أنهم شعروا بالشفقة على الحياة وروادها من أن تشرق عليهم شمس النهار وهم ليسوا في دنيتنا، ولكن يا سيدس، هم على خطأ فهم لم يفهموا أن مهما طالت بنا الحياة أو قصرت فإن مصيرنا في النهاية واحد، نحن رماد الأرض، وجبة لديدانها، ولكي نعرف أماكن أجسادهم كي لا تطأها الأقدام هي تلك العظام، وبالرغم من أنها حقيقة والجميع على علم بها إلا أن الكثيرين منا ينساها أو يتعمد أن ينساها، خاصة ممن لديهم الغرور ولا يعرفون الخوف من الموت.
ما بعد الموت:
أنه لا سلطان ولا مال ولا جاه، يحميهم من سلطان الله عليهم، ولا يشفع لهم عند ربهم، ما بعد الموت يا سيدي الملك تأتي الروح لتصعد إلى أعلى، وتلقى الأجساد في باطن الأرض، ويجب علينا الخوف من هذه اللحظة التي لا رجعة فيها، ولن تشعر الدنيا بغيابنا، فهي لم تقف عند موت هذا أو ذاك؟! ولو كانت تتوقف عند موت أحدهم كان أولى بها أن تتوقف عند موت الأنبياء والرسل، لأنهم أشرف وأعظم خلق الله.
الأديب:
قال الأديب الكبير نجيب محفوظ “ليس الغريب أن يعبد الناس فرعون؛ ولكن العجيب في الأمر أن فرعون يصدق ذلك ويؤمن حقاً بأنه ذلك الإله الذي يجب عليهم عبادته”.