انتشرت بين الناس الإشاعات والأخبار التي لا أساس لها من الصحة, في عدد من كتب التاريخ, منها زواج العباسة من جعفر البرمكي, وحرق المسلمين لمكتبة الإسكندرية, وقص الغرانيق… وقد أبطل كبار المؤرخين والعلماء هذه القصص, وفندوها بحجج بليغة,وكذا شان أسطورة إحراق طارق للسفن, التي لا يغلب الظن عليها أنها باطلة… والتي لم تذكر إلا في ثلاثة مصادر, بعد الفتح الإسلامي للأندلس بأربعة قرون, فان عدنا للمصادر الأصلية, وجدنا أن هذه القصة مختلقة, وعلى رأس هذه المصادر الأصلية, كتاب القرطبي: تاريخ افتتاح الأندلس, فهي لم ترد فيه ولم ترد كذلك عند آل الرازي, فهذه القصة باطلة ومختلقة فطارق ابن زياد, لم يحرق سفن الجيش, ليحفزهم على القتال…
فكل مؤرخي القرن الرابع لم ترد هذه الحادثة في كتبهم, و كذا أعلام الأندلس المشهورين, أمثال ابن حزم, وأبي مروان بن حيان القرطبي والحميدي والطرطوشي… لم يذكروها في كتبهم المشهورة, وحتى اعلام القرن السادس كابن بسام الشنتريني وابن بشكوال…
وكان أول من ذكر هذه القصة هما الإدريسي, وابن الكردبوسي. والقصة أيضا لم تظهر عند مؤرخي القرن السابع كابن عذاري وعبد الوهاب المراكشي وابن الآبار, ولا الثامن عند لسان الدين بن الخطيب أو عبد الرحمن بن خلدون.
وإذا رجعنا للمصادر الشرقية, لن نجدها في كتب الطبري وابن الأثير والمسعودي… فلا يمكن لهؤلاء أن يتجاهلوا قصة كهذه إن حدثت حقا بزمنهم وتاريخه.
قال الإدريسي في كتابه, وهو أول من ذكر قصة إحراق طارق للسفن:”لما جاز طارق بمن معه من البرابر, وتحصنوا بهذا الجبل, أحس في نفسه, أن العرب لا تثق فيه فأراد أن يزيح هذا عنه, فأمر بإحراق المراكب, التي جاز عليها, فتبرأ بذلك عما اتهم به”.
وقال الحميري:” وإنما سمي جبل طارق لأن طارق بن عبد الله لما جاز بالبربر الذين معه تحصن بهذا الجبل, وقدر أن العرب لا ينزلونه فأراد أن ينفي عن نفسه التهمة, فأمر بإحراق المراكب التي جاز بها فتبرأ بذلك مما اتهم به”.
وقال ابن الكردبوس:”ثم رحل طارق إلى قرطبة, بعد أن احرق المراكب: قاتلو أو موتوا…”
وهناك الكثير من المصادر التي أوردت أن القادة أحرقوا سفنهم, ليضعوا الجيش في مأزق, إما القتال وإما الموت. كإحراق القائد الفارسي وهرز لمراكبه حين ساعد سيف بن يزن في تحرير اليمن.
وقضية إحراق طارق للسفن عند المؤرخين المحدثين, لم يؤيدها إلا نفر قليل, منهم الدكتور أحمد شلبي, و أحمد مختار العبادي أما باقي المؤرخين, فلم يقفوا عند هذه القصة وقوفا كافيا, منهم الدكتور شكيب أرسلان, واللواء محمود شيت خطاب. وهناك من رفض هذه القصة كالمؤرخ محمد عبد الله عنان, وحسين مؤنس.
و من الناحية الشرعية, فمن المعروف أن هذه الوقعة وقعت في عصر التابعين, وكان آنذاك صحابة مشهورون, أمثال الوليد بن عبد الملك, والمعروف أن جيش بن زياد وموسى بن نصير كان جله من التابعين, فهل يعقل أن يتواطأ هؤلاء التابعون على عمل مخالف للشرع ؟ في وقت هم أحوج ما يكونون لمواجهة الأساطيل الرومانية؟.