لا يدري الإنسان أي من الأشياء التي يمر به في حياته ولا يدركها إلا بعد فوات الأوان، عندما يكون عمره قد شارف على الانتهاء، وتكون نهايته في رحلة الحياة الزائلة تلك، لذلك نجد من هم أكبر سناً هم من يفهمون الحياة فقد عاشوها وتعاركوا معها وفي كل مرة يخرجون من تلك التجارب بحِكمة معينة، أو درس يتعلموه ولا يمكنه نسيانه أبداً، وفي جميع الحالات يكتشفون إجابات لأسئلة طالما ما سألوها وظلت معرفة بدون إجابة، ولكن الله أراد أن تكون الإجارة في ذلك الوقت من الزمن، فهو مدبر الكون، وله في كل حدث حِكمة ما لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، وتكتشف في النهاية أن الله جعلك سبب لكثير من الأمور دون أن تدري، لم تدرك حينها ذلك السبب، ولكنك تدركه الآن.
المعهد :
أعلن معهد اللغات أنه يقبل المتقدمين ممن يرغبون في تعلم اللغات جميعها، وبأسعار مخفضة، وتقدم الكثير من الشباب مستغلين فرصة التخفيض، منهم من يعمل ويريد أن يُحسن عمله بتعليم اللغات، ومنهم من يعشق اللغات ويتمنى تعلمها فقط لنفسه وحياته، ومنهم من يرغب في السفر ويحتاج إلى تعلمها، ومنهم أيضاً من يبحث عن عمل ويشترط في المواصفات اللغات، وهو شاب عاطل عن العمل يبحث عن فرصة عمل ولو حتى لا تتناسب مع مؤهله الدراسي، أصبحت كل أمنيته في الحياة أن يعفي والده من نفقاته ونفقات أخوته فهو الكبير، وهو أولى بهذا الحِمل من أبيه، وتوجه إلى هناك لعله يجد ضالته في هذا المكان، ولم يكن يعلم تلك الحِكمة حينما يكون الله جعلك سببا في شيء لن تدركه الآن.
خطأ غير مقصود :
وكغيره من الشباب بدأ الدراسة، وفي هذا المجال يتم التعارف بين المجموعة والمدرس المشرف عليها، وتعرف على زملائه وزميلاته، ومنهم ذلك الشاب بشوش الوجه الذي تصادف جلوسه بالمقعد المجاور له، وعندما تحدث معه من باب التعارف، ليخبره أنه يعمل مهندساً في أحد الشركات الصناعية الكبرى وتبادلا كلاً منهما أرقام الهواتف، ويسأله عن تخصصه أو عمله، ليخبره أنه خريج أحد الجامعات ولكنه لم يجد الفرصة للعمل، وأخبره بتخصصه، فقال له غداً تأتى ومعك أوراقك، فأنا سأتقدم بها إلى الشركة التي أعمل بها يمكن تحدث المعجزة وتتوظف بها، ونصبح زملاء عمل ودراسة، أندهش لهذا الكلام وطار من الفرحة والسعادة هل من الممكن أن يكون هذا هو الحقيقة وأنه يحدث في الواقع، وهو يردد بداخله هل من المعقول أن الله جعلك سبب لتوظيفي، وفي اليوم التالي جاء ومعه الأوراق مثلما وعده صديقه، ولكنها كانت الصدمة الكبرى له، عندما اكتشف عدم وجوده وأخبره أحد الزملاء بأنه جاء ليتعلم لغة أخرى ولكن حدث خطأ غير مقصود بأنه وضعوه في المجموعة الخطأ، وعندما سأل إدارة المكان أخبروه أنه يمكنه المداومة مع مجموعته التي ستبدأ الأسبوع القادم، لذلك لن يأتي إلى مجموعتنا أبداً.
النسيان :
ذاب في اليأس بعد أن كان أقرب ما يكون من الأمل والتفاؤل، حتى أنه نسي رقم هاتفه الذي أعطاه إياه قبل أن يغادر المكان، ومرت الأيام والشهور، وانتهت الدراسة بالمعهد وأخذ الشهادة، وكغيرها من الشهادات بقيت بلا فائدة ولا عمل، حتى جاء يوم وجاءه اتصال هاتفي من ذلك الصديق القديم يخبره فيه أنه يريد مقابلته ومعه الأوراق اللازمة للعمل، فقد تحدث مع المديرين وعندما أخبروه بالموافقة أتصل به على الفور، ولم يتوقف عند هذا الحدث، وبسرعة ذهب إليه بما معه من أوراق، وهو لا يصدق عيناه وهو يتسلم عمله في تلك الشركة الكبرى التي لا تأتي حتى من ضمن أحلامه، وهو ينظر إلى صديقه وهو يقول أنها حقيقة، فسأله ماذا تعنى، قال لقد جعلك الله سببا لتوظيفي، لقد أراد الله أن يتم التحاقك بالمعهد الخطأ وتقضي فيه بضع ساعات فقط لتأخذ مني رقم هاتفي، بعد أن جعلك الله سببا في حصولي على هذا العمل، لقد أمر الله بحدوث كل هذه الأحداث فقط من أجل الوصول إلى هذه النهاية السعيدة.