نبي الله شعيب بن مدين، وهو من ذريّة النبي إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويقال إنّه من أحفاد النبي لوط، وهو من الأنبياء العرب الأربعة وهم: هود، صالح، شعيب، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكان يتميز بفصاحة وطلاقة لسانه، وحكمته، وبلاغته، وكان مؤثرًا على قومه بالكلام. وقد ذُكر النبيّ شعيب في القرآن الكريم مرات عديدة.
بُعث سيّدنا شعيب إلى قوم مدين، وهم من العرب وكانوا يسكنون في بلاد الحجاز في الجهة القريبة من خليج العقبة وبلاد الشّام، وبالتحديد بالقرب من مدينة عمان في الأردن العربية الشقيقة، وبالقرب من بحيرة لوط، حيث قال الله تعالى: (وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ) سورة هود، وكانت القبيلة على دين سيدنا إبراهيم عليه السّلام، وهو دين جميع الأنبياء والرسل، ولكنّهم ابتعدوا عن وحدانية الله وحده لا شريك له، وابتعدوا عن العقيدة السليمة، فظلوا يعبدون شجرة الأيك، وكانت مدين من القرى المزدهرة والمشهورة بالتجارة وقد غرّتهم الحياة الدنيا عن عبادة الله جل وعز، فكانوا يبخسون الناس أشيائهم ويبخسون في المكيال والميزان ويُطففون فيهما، ويأكلون المال الحرام، معترضين القوافل التجارية ويقطعون الطرق، ويشيعون في الأرض فساداً وظلماً.
أرسل الله سبحانه وتعالى نبي الله شعيب إلى قوم مدين بعد أن عتوا عتوًا شديدًا في الأرض، ودعاهم لعبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام والأشياء التي لا تضر ولا تنفع، ودعاهم لترك ظلم الناس والعدل في الميزان والحفاظ على حقوق النّاس، وأرشدهم لطريق الحق والابتعاد عن الظلم والطغيان، وقبح الأخلاق والأفعال والأقوال، وذكّرهم بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى، وحذّرهم من حب المال الذي يلهي عن عبادة الله والخوض في الشهوات، وما كان ردّهم إلّا السخرية من نبي الله والاستهزاء بدعوته، وصدّه عن محاولاته بجميع الطّرق التي تصد عن الدعوة إلى الله، وحاول شعيب معهم محاولات عدّيدة، ولكن دون جدوى فلم يستجيبوا له.
وبعد أن تمادى قوم شعيب مرارًا وتكرارًا في الطغيان والعتو والفساد والضلال والابتعاد عن الحق وأهله أهلكهم الله سبحانه وتعالى، فأنزل الله عليهم عذابًا شديدًا في القرية التي كانوا يسكنوا فيها، وأصيبوا بحر شديد أصابهم حتى مات جميع من عليها وأصبحوا موتى لا حياة فيهم، بعد أن تكبّروا في الأرض وعتوا عتوًا شديدًا، وسخروا من نبيهم عليه السلام الذي أرسله الله عز وجل على الحق المبين وبالرسالة التي تُخرجهم من الظلمات إلى النور ومن الظلم والطغيان إلى الهدى والحق.
ولا شك أن رسالة الأنبياء والمرسلين واحدة ألا وهي الأمر بتوحيد الله جل وعلى وألا يعبدوا إلا إياه لا يشركوا به شيئًا سواء صنم أو حجر أو شمس أو حيوان أو أي شيء آخر من الأشياء التي يتعجب منها القاصي والداني، فإذا رأيت هؤلاء المشركين والكفار ماذا يعبدون ستجد العجب العجاب، فهل رأيت بشر يعبدون الفئران؟ ولكن للأسف هذه حقيقة موجودة في هذا الزمان! أيضًا من الأمور التي لا يصدقها عقل بشري أنه يوجد قوم في زماننا هذا يعبدون البقر! ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا يمكن أن نمر بهذا المقام ولا نذكر سريعًا توحيد الله.
توحيد الربوبية: وهو أن الله تعالى مالك كل شيء ورب كل شيء، فله الأمر وله الحكم من قبل ومن بعد، وهو الذي قسم الأرزاق بين العباد، وهو توحيد يقر بها الكفار والمشركين، لا يصلح وحده.
توحيد الألوهية: وهو أن الله جل وعلا يُعبد وحده سبحانه ويُفرد بالعبودية وحده دون سواه كتوحيد الله وعبادته بالصلاة والصوم والحج والزكاة والذكر وما إلى ذلك من باقي أنواع العبادات التي لا يعبد بها الله إلا هو لا شريك له في ألوهيته.
توحيد الأسماء والصفات: وهذا يعني إفراد الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا دون غيره، فالله هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، فتوحيد الأسماء والصفات هو أحد أنواع التوحيد الذي يجب أن نعلمه جيدًا وهو أن نعبد الله ونتقرب إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.
عذاب قوم شعيب:
عذاب قوم شعيب أمة كافرة سكنت في أرض الأردن والتي كان موطنها وتسمى مدين، بعث الله إلى هؤلاء القوم نبي الله شعيب عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونبذ عبادة ما سواه وكانوا مع شركهم هذا يفعلون ما لا يرضي الله مثل أنهم كانوا يبخسون الناس أشياءهم وينقصون المكيال والميزان، فهم قوم سوء فهم يسيئون في حق الله جل وعلا ويسيئون في حق الناس، كما قال سبحانه: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ).
فهم جمعوا بين هاتين الجريمتين العظيمتين، ولمّا حذرهم نبي الله شعيب عليه السلام من نقمة الله وبطشه وغضبه عليهم استهزءوا وقالوا: (أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) حتى وصل بهم الأمر إلى أن عاقبهم الله عقابًا شديدًا فأخذهم عذاب يوم الظلة فكان عذاب يوم عظيم، ويوم الظلة كما ذكر المفسرون أن الله جل وعز ألقى عليهم حرًا شديدًا في قريتهم يصلاهم في بيوتهم ومساكنهم وأماكنهم التي يعيشون فيها، فلما اشتد عليهم الحر في بيوتهم خرجوا إلى الصحراء وهي ملتهبة من شدة الحرارة وبسبب الرمضاء وأشعة الشمس المحرقة.
ثم إن الله سبحانه ساق إليهم سحابة لها ظل ولما رأوها فرحوا بها واجتمعوا تحتها لعلها تكون نجاة لهم ويجدوا فيها بردًا، فلما تكاملوا تحتها أمطرت عليهم نارًا تلظّى فأهلكهم الله سبحانه وتعالى وبذلك تكون قصة إهلاكهم، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: وقد ذكر الله صفة هلاكهم وعذابهم في ثلاثة مواضع كل موضع بصفة تناسب ذلك السياق، ففي سورة الأعراف ذكر أنهم (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) حيث أنهم قالوا: (لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) فأرجفوا بنبي الله ومن اتبعه فأخذتهم الرجفة، وفي سورة هود قال : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ) وذلك لأنهم استهزءوا بشعيب عليه السلام في قولهم: (أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) قالوا ذلك على سبيل التهكم والازدراء فناسب أن تأتيهم صيحة تكتم قولهم فقال: (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ).
وهاهنا قالوا: (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ) على وجه العناد والتعنت والتمسك بالرأي الخاطئ فناسب أن يحق عليهم ما استبعدوا وقوعه (فأخذهم عذاب يوم الظلة) إنه كان عذاب يوم عظيم. قال قتادة: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إن الله سلّط عليهم الحر سبعة أيام حتى كانت لهم ظلاً دون غيرها، ثم إن الله أنشأ لهم سحابة فانطلق إليها أحد رجال القوم فاستظل بها وأصاب تحتها بردًا وراحة ودرجة حرارة قليلة، فأعلم بذلك قومه فأتوها جميعًا فاستظلوا تحتها فكانت عليهم نارًا ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا تكون قصة عذاب قوم شعيب.