قصة سيدنا ذا الكِفل من أكثر قصص الأنبياء غموضاً، سبب غموضها هو عدم ذكر أي تفاصيل عن القصة في القرآن والسنة، ربنا اكتفى الله عز وجل بـذكر اسمه في آيتين فقط لا غير، لكن رغم قلة الكلام عنه لكنه في هذين الآيتين تم تكريمه تكريم عظيم، فيصفه رب العزة بالصبر، في سورة الأنبياء ويجمعه مع سيدنا إسماعيل وسيدنا إدريس بقوله تعالى ” وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ) “آية 85 : سورة الأنبياء(
سيدنا ذا الكِفل رغم أن رب العالمين لم يذكر لنا تفاصيل عن قصته ورحلته، إلا إن ذكره في هذا الموطن من الآية الكريمة، يُعطينا دلالة كبيرة على عِظم صبره، هذا لأن ذِكر الأشخاص يجعل صفاتهم أكثر بروزاً .
- أما عن ذكره في هذه الآية تحديداً، فـجاءت بعد الانتهاء من قصة أبو الصبر سيدنا أيوب، الواو في بداية الآية هي عطف على جزاء سيدنا أيوب، جزاء شدة صبره على البلاء، والمعنى أن الثلاث أنبياء الصابرين، كان لهم من الجزاء والكرم الربّاني والتعويض والمكافئات، مثل ما كان لسيدنا أيوب، مع اختلاف العطايا الربانية.
ونلاحظ هنا إن بعد إثبات صفة الصبر، وصفهم رب العزة بالصلاح، كأن صبرهم أدى لـصلاحهم.
والصلاح يشمل عدة مستويات :
– صلاح القلب : بمعرفة الله ومحبته، والإنابة إليه كل وقت.
– صلاح اللسان : بأن يكون رطباً بذكر الله.
– صلاح الجوارح .. بانشغالها بطاعة الله وابتعادها عن المعاصي.
فكان جزاء صبرهم وصلاحهم دخولهم في رحمة الله، بالإضافة إلى ذِكره لهم في قرآنه الكريم، كمكافئة وشرف وفضل لا ينتهي.
- ثاني آية ذُكر فيها سيدنا ذا الكفل، كانت في سورة ” ص “في قوله تعالي” وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَار” (آية 48 : سورة ص (
فيتكرر اسمه مع اسم سيدنا إسماعيل في موطن آخر ومع سيدنا اليسع تبدل سيدنا إدريس.
وهُنا الأسمين اللاحقين تم عطفهم على الاسم الأول وهو سيدنا إسماعيل، فقال رب العزة “واذكر إسماعيل واليسع و ذا الكِفل” بمعنى إن العطف عائد على سيدنا إسماعيل نفسه، وسنكتشف غاية البلاغة عند توضيح السبب.
وسببه أن سيدنا اليسع كان مقامه في بني إسرائيل، مثل مقام سيدنا إسماعيل في بني إبراهيم، فكان اليسع بمنزلة الابن لسيدنا إلياس وسيدنا إلياس كان يواجه ملوك يهوذا وملوك إسرائيل، وينهاهم عن عبادة الأصنام مثلما كان يفعل سيدنا إبراهيم مع قومه.
وهنا كان سيدنا اليسع يعاون إلياس في مهمته، مثل ما كان يصنع سيدنا إسماعيل مع أباه سيدنا إبراهيم، وبالتالي كان الربط بينهم في موطن الآية الكريمة منطقي وله أصل قوي ودلالة، أما عن عطف سيدنا ذا الكِفل، على سيدنا إسماعيل، وجمعهم في آية واحدة، مكررا ولكن في صفة جديدة غير صفة الصبر، ألا وهي إنهم من الأخيار أي من المُختارين المُصطفين إلي رب العالمين، أختارهم للنبوة وأختار لهم أكمل الأحوال فكانوا خير خلق الله في صالح الأعمال، والأخلاق والصفات والخصال الكاملة.
و قد شاب الغموض قصة سيدنا ذو الكِفل، وبدوره أدى إلى اختلاف العُلماء على جميع تفاصيل حياته.