محطة القطار:
من يعتاد على التواجد في محطة القطار لا ينزعج من أصوات القطارات العالية، أو الضجيج والأصوات العالية من المسافرين والمتجولين بين القطارات ذهاباً وإياباً، ولكن عندما تقف فقط لتتأمل وتنظر حولك وتتسآل عن هذا الزحام والركض للحاق بالقطار، تُرى ما قصة هؤلاء الناس، لماذا يهرولون هكذا مسرعين إلى الرحيل، هل هي رحلة عمل، أم هي للمرح والترفيه، من منهم سعيد ومن منهم حزين، ستتأكد بأن الكثير من الاختلاف في هذا المكان، ولا يعلمه أحد.
الصبي:
في وسط هذا العالم تجد صبياً يمشى على استحياء، لا تعرفه هل هو خائف أم مريض، أم أنه تائه ولا يدري إلى أين يدفعه عالمنا القاسي في حياته الصغيرة، ولكن ملابسه مقطعة ومتسخة، ينظر إلى أسفل، إلى الأقدام، عن ماذا يبحث، ولماذا ينظر إلى الأرض، لتتأكد بعدها، أنه ينظر فقط إلى الأحذية تلك الأحذية اللامعة التي يرتديها الكثير والكثير من الأطفال ممن هم في مثل عمره، أما هو فحذاءه ممزق ولا يصلح للاستعمال بأي حال من الأحوال، وفي عينيه حزن واضح لمن رياه، ويتبادل النظرات ما بين حذاءه الممزق، وأحذية الآخرين بمختلف الماركات والصناعات، ويظهر هذا الاختلاف بين ما يشعر به الصبي من حرمانه من شيء بسيط يتمناه، وبين ما يراه من بذخ وغني لغيره من الأطفال وما يرتدونه من أحذية.
أسرة صغيرة:
يجلس الصبي على الأرض بعد أن أنهكه التعب، سواء من المشي على قدم شبه حافية، أو من النظر إلى الآخرين، وعلى الجانب الآخر تأتي أسرة صغيرة من أب وأم وطفل في مثل عمر الصبي المتشرد، أسرة مسرعة تريد أن تلحق بالقطار كغيرها من الآف المسافرين، هذا الطفل يهتم كثيراً بحذائه فهو دائم تنظيفه بمنديل يمسك به في يده، وواضح أن لهذا الحذاء مكانه خاصة لديه، هذا الاهتمام من الطفل الثري بحذائه يلفت نظر الطفل المتشرد، ليعاود النظر مرة أخرى إليه وهو ينظف حذائه مما يقع عليه من أتربة، ويعود لينظر وبحزن إلى حذائه، ويشعر بمدى الاختلاف بينهما، وتزداد سرعة جرى الأب والأم للوصول إلى القطار، وواضح أنهم على عجل من أمرهما، ومازالت الناس تأتى وتذهب في صورة أبعد ما يكون عن النظام، ويمسك الأب بقبضة من حديد يد ابنه واليد الأخرى في يد زوجته وهو يحارب ويقاوم ضد طوفان البشر الخارج من القطار ليلحق هو بقطاره ويسافر مع أسرته الصغيرة.
فردة حذاء:
لم ينتبه الأب لاهتمام ابنه بحذائه ونظافته، كل ما يهتم به ويركز عليه هو اللحاق بالقطار من أجل السفر، حتى أنه في أثناء الجري للحاق بالقطار وقعت فردة حذاء من الصبي الصغير دون أن ينتبه إليها أيضاً، وعبثاً حاول الطفل الصغير أن يخبر والده بفقدان حذائه المفضل لديه، وأنه يريد استعادته، إلا أن الأب مازال منشغل باللحاق بالقطار الذي على وشك المغادرة، وحزن الطفل الصغير ونظر إلى الخلف إلى فردة حذائه المفقود بعد أن يأس من إخبار والده عنها، فقد أيقن أنه فقدها إلى الأبد.
الرحيل:
فجأة نهض الطفل المتشرد من مكانه ليرفع فردة الحذاء المفقودة من على الأرض، وينظر إليها في فرح وكأنه وجد كنز، ولمعت عيناه من الفرح، وكأن هذا الشعور لم يأتيه منذ وقت طويل، وقد تتخيل أنه سيحتفظ به، ولكن ما حدث كان الأعجب، أسرع الطفل يجرى خلف القطار، كل هذا حدث في لحظات، القطار بدأ يتحرك ولكنه مازال في المحطة، وفكر الطفل ونفذ بسرعة وبدأ يجرى على الرصيف لعله يلحق أن يقذف فردة الحذاء لتقع داخل القطار، ويلتقطها صاحبها، ويمحو الحزن من عينيه لفقدانها، وعندما أيقن أنه لن يستطيع اللحاق بالقطار قذف وبكل قوته فردة الحذاء إلى صاحبها الذي ينظر إليه من داخل القطار ومعه والده الذي انتبه إلى ما حدث وإن كان متأخراً في ذلك، لقد اكتشف بعد تحرك القطار أن فردة الحذاء قد فُقدت، وانتبه إلى ما يحدث بالخارج، إلى ذلك الطفل الذي يسابق القطار، وفوجئ بأنه يقذف فردة الحذاء ولكن لم يصب الهدف، لقد اصطدمت فردة الحذاء بجدار القطار لتعود مرة أخرى وترتمي على رصيف المحطة.
المفاجأة:
قد تعتقد أن القصة انتهت إلى هذا الوضع، وأن فردة الحذاء ضاعت بين الاثنين، فكلا منهما لن يستفيد بها، لا المتشرد يستفيد بها لأنها واحدة فقط ولا حتى الصبي الآخر له أن يستفيد بالفردة الأخرى التي معه، ولكن وفي لحظات حدثت المفاجأة، لقد خلع الطفل الفردة الأخرى من قدمه ورماها بجوار أختها على رصيف المحطة، ونظر الطفل المتشرد إلى الفردتين تحت قدميه، ثم عاد ينظر إلى عينان الطفل الآخر، ليرى ما فيهما من فرح، وتلمع عيناه من السعادة، فقد أراد الطفل أن يستفيد بها الطفل المتشرد، فهو أولى بها منه، كما أنه لن يستطيع استعادة الفردة المفقودة، لذلك الحل الوحيد هو ما فعله.
سعادة طفل:
وصلت الرسالة إلى الطفل المتشرد وقد فهمها وشعر بالسعادة واختطف الفردتين من على الأرض واحتضنهما بشدة، أما الطفل الآخر فقد اتسعت ابتسامته، وظل يلوح إلى صديقه الفقير بيديه، وكأنه يودعه ويهنئه على سعادته، والأب يراقب تصرفات الطفلين، وكأنه يرى فيلم سريع الأحداث، كل هذه الأحداث حدثت قبل أن يغادر القطار المحطة بثواني، موقف بسيط لم يستغرق أقل القليل من الوقت، ولكنه كاف لأن يشرح لنا مدى الاختلاف في عالم الصغار وعالمنا نحن الكبار، لقد أراد كل طفل أن يساعد الآخر بالرغم من الاختلاف في البيئة والثقافة وحتى في الحياة، لم يحقد الطفل الفقير على من هو في مثل سنه لمجرد أنه لديه ما لا يملكه، على العكس لقد حاول مساعدته، وفي المقابل حاول الطفل الآخر أن يساعده، وأن يهديه ما يدخل على قلبه السرور والسعادة، وقد نجحا كليهما في هدفه.