مقدمة:
الثقة بالنفس هي الاعتدال في التصرف الاعتيادي الطبيعي وهي اعتماد المرء على قدراته وإمكانياته بحسب الزمان والمكان والمواقف التي يتعرض لها في حياته، وهي إحساس الشخص بقيمة نفسه للتصرف مع من حوله في كل أعماله وتحركاته دون خوف أو رهبة فهو من يتحكم بنفسه وليس غيره .
ومن يزعم أنه يستمد ثقته بنفسه ممن يحيطون به أو ممن يحبونه فهو ليس كامل الثقة بنفسه، بل يحتاج لأن تكتمل ثقته بنفسه أن تكون ثقته نابعة من نفسه وإن خالفه الناس في أفعاله ووجهة نظره.
وهي نابعة أولا من ثقة الإنسان بربه ثم حسن تصرفه وحنكته مع كل شأن من شئون حياته وحياة من حوله.
ومعنى الاعتدال في التصرف:-
أنها صفة اعتزاز دون كبر وتواضع دون ضعف فهي الوسط وخير الأمور أوسطها.
وثقة الإنسان بنفسه أمرا مهما جدا فهو من دون ثقته بنفسه كريشة تهوي بها الرياح يمنة ويسرة أو كورقة في خضم بحر تتقاذفها الأمواج إلى مستقر غير معروف، ، والثقة بالنفس تجعلك مثالا صالحا لمن حولك وتجعلك دائما معتزا بنفسك وفخورا بما وهبك الله به من قدرات وإمكانات زادت بسببها ثقتك بنفسك.
وهي أيضا سبب من أسباب النجاح والفلاح وطريق إلى الإبداع والتميز.
والسؤال هنا والذي يطرحه كل إنسان يشعر في نفسه ضعف وأن ثقته بنفسه ليس كما يتمنى ويبتغى:
كيف أزيد ثقتي بنفسي؟
والإجابة مفصلة ومقسمة إلى عدة أقسام
أولا:
إن من أهم ما يزيد ثقة الإنسان بنفسه هو ثقته بربه وخالقه فإن كان قريبا منه طائعًا له بعيدًا عما يغضبه وإن كنت كذلك فأنت في الطريق الصحيح والسبيل القويم فعندها تشعر بأنك تأوي إلى ركن شديد ولن تقف في طريقك أي عقبات تهز ثقتك بنفسك ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حسن الظن بالله يوصي أصحابه بالثقة بربهم وحسن الظن به كما حدث معه في الغار حين طاردته قريش وكانوا على وشك الإمساك به ، فقد اقتربوا من الغار حتى رآهم أبو بكر رضي الله عنه فطمئنه النبي الواثق بربه وقال له يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
فبالرغم من قرب الخطر إلا أنه كان واثقا بربه واثقا بنفسه مصيرا لصاحبه ورفيقه وقال بنبرة الواثق المتيقن (لا تحزن إن الله معنا).
ومن حسن ثقتك بربك أن تكثر من قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)
فقد قالها أبو الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم حينما ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حينما قالوا: (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).
إياك أن تقول هذه الكلمات بضعف فإنك إن عرفت معانيها ستقولها بقوة وثقة عظيمة لأن من يملكها فبيده القوة فعلا فهو يلتجئ إلى القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
ومعنى هذه الكلمات هو التوكل على الله والاعتماد عليه في دفع الظلم والحفظ من الشر.
ثانيا :
الخطوة التالية بعد ثقة الإنسان بربه وقربه منه وحرصه على طاعته هي اختياره للقدوة التي يرى فيها مثلا أعلى للثقة بالنفس وحسن الكياسة والتصرف في كل شئون حياته، وليس هناك مثل أعلى في البشرية من نبي الرحمة وقدوة الأمة وسيد ولد آدم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهو صلى الله عليه وسلم مثالا للواثق بربه والواثق بنفسه الذي تحدى الصعاب وواجه كل من حوله بقوة وعزم ويقين حتى فتح الله له مشارق الأرض ومغاربها، ثم إن هناك القدوة في الثقة بالنفس بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم فهم نجوم يُقتدى بهم ومصابيح يسير المرء على طريقتهم ونهجهم.
وإليك مثالًا مشرقًا عن ثقة الصحابة بأنفسهم ثقة يضرب بها المثل في قوة ثقتهم بربهم وبأنفسهم:
فقد كان ربعي بن عامر رضي الله عنه في جيش سعد بن أبي وقاص في القادسية
فطلب قائد جيش الفرس رستم من سعد أن يرسل إليه رجلا يحادثه قبل المعركة فأرسل له سعد رضي الله عنه ربعي بن عامر رضي الله عنه الصحابي الفقير فلما دخل على رستم لم ينزل من على فرسه إلا بعد أن داست فرسه على النمارق ثم ربط ودخل على رستم يلبس ثوبا قصيرا مرقعا يطأ برمحه على النمارق فخرقها حتى وقف أمام رستم فقال له رستم باحتقار لما رأى من مظهره:
ما الذي جاء بكم ؟
قال له ربعي رضي الله عنه بلسان الواثق بنفسه المعتز بدينه:
إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه.
نعم هذا هو معنى الثقة بالنفس فبالرغم من إظهار رستم وحاشيته لربعي أبهة ما هم فيه ليهزموا نفسيته هزمهم بفعله فهو رجل فقير مرقع الثياب يتعكز على رمحه فوق نمارقهم ويقطعها ثم يرد عليهم بكلمات خلعت قلوبهم، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
ثالثا:العلم:
إن العلم والمعرفة من أهم ركائز قوة الشخصية والثقة بالنفس فمن يعلم يتحدث بثقة أكبر ممن لا يعلم فإنك إن خاطبت الناس وحدثتهم في أي مجال كان على أسس علمية وبصيرة ودراية كنت واثقا من نفسك وواثق مما تقول ويثق بك الناس لعلمك وثقتك بنفسك وهم يرون فيك ما تراه أنت في نفسك،
فان كنت تتحدث إليهم واثقا من نفسك ولا تتردد ولا تتلكأ رأوك كما ترى نفسك بل أكبر مما ترى نفسك لأن الناس تفتقد للقدوة الحسنة في هذا الزمان وكونك تحدثت إليهم بثقة وعلم ودراية نظروا إليك نظرة إعجاب وتقدير وأنت بثقتك بنفسك تعيد إليهم ثقتهم بأنفسهم وتحيي الأمل والثقة في قلوبهم. كذلك الحال إن تحدثت إليهم دون علم ولا دراية وأنت متلعثم لا تتحكم في أعصابك نظروا إليك نظرة استعطاف أو ازدراء أحيانا لأنهم يرون أمامهم من لا يملك معرفة ولا يملك جرأة ولا دراية بل يرون أنك لست واثقًا من نفسك فكيف يثقون بمن لا يثق في نفسه أصلا وكما قيل (فاقد الشيء لا يعطيه)
فمن لا يملك الثقة بالنفس فلن يعيد للناس ثقتهم بأنفسهم بل سيصابون بالإحباط حينما يرون من لا يملك الثقة بنفسه.
رابعا:
سرعة البديهة وحسن التصرف:
قد لا يكفي أن يكون الإنسان صاحب علم ودراية في شئون الحياة وخباياها
بل إنه سيحتاج بعد العلم إلى أدوات يستخدم فيها العلم الذي تعلمه
ومن هذه الأمور سرعة البديهة أي سرعة التصرف في الأوقات الحرجة والمواقف الصعبة وهذه تعتمد على سرعة التفكير وترجمة الفكرة إلى فعل في ثوان معدودة في بعض الأحيان.
فربما تكون سرعة البديهة بالرد على سؤال أنت ملزم بالإجابة عليه دون إيجاد وقت كاف للتفكير ويكون الرد مناسبا بل يتفاجئ السائل بحسن ردك وسرعة بديهتك أو العكس فإنك قد تحتاج أن تسال أحدهم سؤالا مباشرا سريعا يجعله يفقد تركيزه إن لم يكن واثقا من نفسه،
وحسن التصرف في المواقف الحرجة دون خوف وهلع فالواثق من نفسه يطمئن من حوله بل ويلجئون إليه في مشاكلهم لأنهم سيجدون تصرفا جيدا يرضيهم ويحميهم، وهذه هي صفة القائد الناجح الثقة بالنفس وحسن التصرف.
خامسا:
لا تجعل الخوف يسيطر عليك:
تجاهل من حولك تماما وتصرف بثقة نابعة من قناعتك ولا تجعل ممن حولك مُقيّمين لما تفعله بل اجعلهم يتعلمون منك ويقتدون بك وبثقتك بنفسك وإياك والخوف من نظرتهم إليك والخوف أيضا من أن تُخطئ أمامهم لأنك إن فعلت ذلك انهارت ثقتك بنفسك وازداد ضعفك وخوفك.
سادساً وأخيراً:
لا تتقمص شخصية غيرك:
تصرف بتلقائية وعفوية دون مبالغة ولا تكلف وكن أنت “أنت” ولا تتقمص شخصية غيرك، فثقتك بنفسك تنبع من أعماق “أعماق” قلبك فترجمها بطريقتك لا بطريقة غيرك.