خلق الإنسان كي يعيش في وسط اجتماعي لا غنى عنه، مكونًا علاقاتٍ وطيدة مع من حوله فتنشأ بينهم روابط المحبة والإخاء والعون، وتلك العلاقات ضرورية لتٌلبي احتياجات الإنسان النفسية والاجتماعية من السند والمؤازرة والديمومة.
ولكن لضمان صمود العلاقات أمام تحديات الدهر وتقلباتها، لا بد من أن تكون تلك العلاقة سوية متزنة يتبادل فيها كلا الطرفين نفس المشاعر والأحاسيس، فكل طرف يأخذ ويعطي من مشاعر الاهتمام والمناصرة والمساندة، ولكن إن تجمدت المشاعر في أحدهما وأصبحت علاقة ركيكة يتخللها أنانية من أحد الأطراف دون أدنى محاولة للعطاء فيتولد لدينا ما يسمى بالتجاهُل وتنشأ علاقة يشوبها التضحية بين شخصين أحدهما يُضحي و يُعافر من أجل الحفاظ على تلك العلاقة مقدمًا الكثير من التنازلات، مستنزفًا مشاعره وجهوده لاستمرار البقاء معًا، وآخر يتجاهل كل تلك المحاولات، لا يبالي سوى بنفسه وإشباع رغباته حتى يشعر أنه مرغوب فيه، مسببًا أذى وألم نفسي للمُتجاهَل، علاقة أشبه بمن يزرع الحب ويأتي أحدٌ يقتلعها تاركًا له جني أشواك التجاهل، وهنا في هذا الموضوع سوف نشرح لك كيفية التعامل مع شخص يتجاهلك وأنت تحبه .
فعندما يتجاهلك شخص تحبه تبدأ أوج حيرتك في أسباب ذلك التجاهُل وتدخل نفسك في دائرة من تأنيب الضمير والعصف الذهني، وقد يصل بك الأمر أنك تزدري من نفسك وتلومها وتحملها سبب فشل تلك العلاقة وتبدأ بفرض الأعذار الواهية لتبرر له فعلته، ولكن الأذى الواقع عليك ليس سببه أنك أخلصت في حبك ومشاعرك وقدمتها له ولكن بسبب ظلم الطرف الآخر الذي لم يُقدر ذلك العطاء واكتفى بعدم المبالاة والاكتراث، كاتبًا على نفسه حق تملك مشاعر الآخرين وإحاطة نفسه باهتمامهم دون مبادلتهم أي مشاعر حقيقة.
فلا بد من وضع حد لمثل تلك العلاقات التي لا تقود سوى للصراعات والجروح النفسية العميقة فعلى المُتجاهَل الصحوة من تلك العلاقة الخاذلة والتوقف عن العطاء وإدراك قيمة نفسه، وأنه يستحق أن يحيى حياةً طيبة فيها علاقات سوية تمده بالحب والرعاية والاهتمام، يُحترم فيها ما يبذله من العطاء دون أن تُستغل مشاعره أو تُستنزف.
ولكن إعلم أن الأمور لا تسير بهذه البساطة على أرض الواقع حيث أن الألم يفرض نفسه، ولا يستطيع أحدٌ منّا التحكم بمشاعره وما يجول بخاطره وإخراج الناس من حياته وقتما يشاء، حتى وإن تسببوا له بالأذى القوي من الداخل، ولا سيما إذا كان شخصًا يعني لك الكثير، احتل مكانةٍ كبيرة بداخلك وجعلته محور حياتك ومركز اهتمامك وأقحمته في تفاصيل أمورك الصغيرة والكبيرة، سواء كان حبيبًا أو قريبًا أو صديقًا، فصعوبة التعايش مع عدم وجوده قد تخاله مستحيلًا في بداية الأمر، مما يدفعك للمحاولة مرة أخرى لجذب انتباهه وإعادة توطيد العلاقة، ولكن بإدراك حجم المتاعب والآلام التي يسببها لك المُتجاهـِل والتعاسة التي تُضفي على حياتك ستبادر بالبحث عن خطوات لتضميد جراحك محاولًا إيجاد حلول لتنعم بالسلام الداخلي دون الشعور بالعناء مُتيحًا لنفسك فرصة البحث عما تستحق.
لذا يتوجب عليك أولًا إحكام عقلك وموازنة الأمور بشكل جيد والتفكير بم حدث وما ستؤول إليه تلك العلاقة على المدى البعيد من الضرر، مُتنحيًا عواطفك جانبًا والذكريات التي تجمعكما فكّر بنفسك مرة واحدة دون الخوف من فقدانه، فكّر أن أي فقدان في الدنيا يُعوض ما عدا فقدان النفس.
ثم بعد استيعاب ذلك تبدأُ بالتساؤل بينك وبين نفسك عن كيفية التعامل مع شخص يتجاهلك وأنت تحبه؟ فعليك معرفة كيفية التعامل والتصرف في مثل هذه المواقف ومع هؤلاء الأشخاص بطريقة لا تخطئ فيها لا في حق نفسك ولا في حق الآخرين.
كيفية التعامل مع شخص يتجاهلك؟
عندما تحب شخص وهو يتجاهلك فعليك التعامل مع هذا التجاهُل ببرود وعدم محاولة اللحاق بالشخص الذي يتجاهلك، وتجنب التواصل معه بأي نوع من أنواع التواصل الاجتماعي والكف عن مراسلته والحديث إليه أو الاحتكاك به، وكذلك عند اللقاء به وجهًا لوجه تجنب التواصل معه بأي شكل من أشكال لغة الجسد سواء النظر بالعين أو الإشارات الجسدية.
وعدم الالتفات إليه أبدًا وإن حاول لفت انتباهك بتوجيه بعض الكلمات الجارحة أمامك وكأنه يعنيك بالحديث فلا تكترث، وتجنب التشاحن والشِجار وتوجيه الكلام للشخص الذي يتجاهلك، وقم بمحاولة الحديث مع الآخرين عند اجتماعك معه وتوجيه الكلام لهم وتجنبه بشكل تام.
فعليك قطع الروابط بشتى الطرق وذلك حفظًا لنفسيتك وكرامتك أمام نفسك.
كيف تتصرف عندما يتجاهلك من تحب؟
فالتصرف عندما يتجاهلك شخص يتطلب أمورًا منها أنه عليك “تجاهل التجاهل” قد تبدو تلك العبارة بسيطة ولكن هي المفتاح والسر لعلاج ذلك الجرح لأنك تجعلهم يشعرون بالألم الذي جعلوك تشعر به وهذا ليس انتقام بل هو رد فعل بالمثل، ولكن ذلك التصرف يتطلب الكثير من الحكمة والهدوء وألا تُعر لهم أي أهمية في حياتك غير آبِه لتجاهلهم.
أيضًا عليك أن تعزز ثقتك بنفسك وكرامتك والابتعاد عن تأنيب النفس وتوبيخها فمن لا يستحق وجودك لا تكترث لأمره ولا تسمح له بالتقليل من شأنك مهما بلغت مكانته في قلبك.
كذلك عليك الانشغال وتعويض مكان الشخص في قلبك بشيء يفيدك وتشعر تجاهه بشغفٍ كبير حتى تستطيع أن تُلهي عقلك دون الشعور بالملل أو الحاجة للتفكير بجراحك ومشاعر الأذى بداخلك ومن تلك الأشياء العمل، الدراسة، ممارسة الرياضة، الرسم، الخياطة، القراءة والعديد من الأشياء التي تُسهم في القضاء على الفراغ الذي سيشغل حياتك، والاندماج مع الأصحاب والأهل ومن يقدروك ويحبونك بالفعل ومقاسمتهم ألآمك سيخفف عنك الكثير.
ومن الخطأ الذي يقترفه البعض هو استبدال شخص آخر بالشخص الذي يتجاهلك وملأ الفراغ العاطفي الذي سببه بداخلك، وهذا ظلمٌ للشخص الجديد لأنه يتم استغلاله بمشاعر زائفة ومقارنته دائمًا في عقلك بالشخص السابق، فلا تظلم معك أحد وعليك الشفاء من ألمك بشكل كامل حتى تكون مستعدًا لخوض علاقةٍ جديدة بنفسيةٍ معتدلة غير متأثرة بألم التجاهل.
وأيضًا ابتعد عن الأماكن والذكريات التي تجلبُ لك العواطف السيئة وتُـثبط من عزيمتك ومحاولاتك للنسيان وتخلص من الهدايا أو أي أغراضٍ تخصُ الشخص الذي تحبه وهو يتجاهلك حتى تتمكن من قطع حبال التعلق الواهية.
وأجّل طرق العلاج وأنفعها للإنسان هي تعلقه بالخالق القوي وليس المخلوق الضعيف فتقوية الإيمان بالله عز و جل والرضا بالقضاء والقدر والنصيب وأن الله لا يٌقدِر لعبده إلا الخير سواءً كان عطاءً أو منع، تُساهم في سرعة التحسن والتداوي.
وأخيرًا عليك مواصلة الحياة حتى وإن اهتممت بشخص لم يهتم بك فالحياة لا تقف على أحد فهي سلسلةٌ من التجارب الناجحة والفاشلة والدروس التي تُعلمنا أن نُحسن الاختيار في المستقبل فالعلاقات خُلقت لجلب السعادة والمحبة لحياتنا لا لتسلب منها السلام والأمان والمحبة.
فالنسيان من نعم الله على الإنسان ولكن يحتاج إلى وقتٍ ليس بقليل، وتلك الجروح التي في القلب مثل الجروح الجسدية تندمِل شيئًا فشيئًا فعليك أن تقف معتمدًا على نفسك اعتمادًا كليًا دون إعطاء الفرصة لأحدٍ بأن يؤذيك عندما تعطيهم أنت من حياتك أكبر من حجمهم ومما يستحقوا.
وقد تتوال الإخفاقات في محاولة النسيان ولكن مع الصبر وإدراك قيمة نفسك ستنجح في التغلب على هذا الألم والانتصار عليه وتصبح أكثر قوة ونضوجًا.