القاهرة مدينة مثيرة، مليئة بالمجتمع المتنوع، وصفها الشاعر المصري أحمد عبد المعطى حجازي بأنها مدينة بلا قلب، وحمل ديوانه الشعري هذا الوصف، صنعت العجائب مذ أنشئت، وتقلبت عليها الحوادث، وازدحمت بالآثار التي تنوعت تنوعا كبيرا.
تبدأ قصتها مع نجاح الفاطميين الخلفاء الشيعة اللذين جاءوا من الغرب حيث إفريقية، واتجاه أنظارهم الى مصر، التي نجحوا في فتحها، وإنهاء الخلافة العباسية فيها فأقاموا مدينة القاهرة وعضدوا مذهبهم الشيعي بها؛ حيث بنوا الجامع الازهر، ويرجع كل ذلك إلى قائد عسكري خطير هو جوهر الصقلي،الذي يعتبر رأس الدولة الفاطمية وقائدها الأشهر، وبذلك انتشر المذهب الشيعي في جميع أنحاء مصر، وأصبحت المدينة نفسها (أي القاهرة) عاصمة لأهل السنة والجماعة, بعد أن فتح صلاح الدين الأيوبي وعمه أسد الدين شيركوه مصر وأعادوها إلى المذهب السني.
ومن القاهرة ودمشق عاصمة الشام شن صلاح الدين الأيوبي حملاته ضد الصليبيين، ونجح في تحرير المسجد الأقصى بعد معركة حطين،التي جعلت للمسلمين في ذلك العصر الفتوة والقوة مرة ثانية.
شهدت القاهرة أغلب الأحداث التي عصفت بالدول الثلاث الأيوبية والمملوكية والعثمانية، فالملوك اللذين تعاقبوا على الدولة الأيوبية لم يكن أحدهم يطمع في شيء أكثر من جهاد الصليبيين، وحتى وفاة الملك صالح نجم الدين أيوب اعتبرت القاهرة معقل الإسلام والمسلمين في كفاحهم ضد الصليبيين, وكان صلاح الدين الأيوبي قد جعل القاهرة مع العواصم الثلاث القديمة الفسطاط والعسكر والقطائع داخل سور كبير, وبنى لها قلعة الجبل على محور إستراتيجي في مواجهة جبل المقطم، مدينة العسكر بناها الإخشيديون, أما القطائع فقد بناها أحمد بن طولون خلال فترة حكم المماليك، تكالبوا على السلطة،وكان الاغتيال مصير كل الحكام الذين تعاقبوا على السلطة في القاهرة، أولهم عز الدين أيبك، وحتى النساء لم يفلتن من الدسائس والمؤامرات؛ فقد قضت شجرة الدر نحبها بعد أن ضربتها زوجة عز الدين أيبك الأولى بالقباقيب.
في عهد الدولة المملوكية استطاع الظاهر بيبرس أن يحرر كثيرًا من أراضي الشام من الصليبيين انطلاقا من العاصمة القاهرة، وظلت القاهرة قوية حتى خسرت تدريجيا نفوذها على بلاد الشام، ثم مصر بعد فتح العثمانيين للشام ثم مصر، والعثمانيون جاءوا ليفرضوا سلطانهم التركي الحنفي على القاهرة، وظل الوضع هكذا حتى استحدثوا فيها منصب شيخ الأزهر, وكان أول المشايخ هو الشيخ الخراشي المالكي المذهب، وشرفت القاهرة بقيادة المقاومة الشعبية ضد الفرنسيين خلال فترة الحملة الفرنسية على مصر بدءا من عام 1799م إلى العام 1801م.
وشهدت ثورتين ضد المحتل الفرنسي, وقاد الأزهر الثورتين (ثورة القاهرة الأولى وثورة القاهرة الثانية), واعتبر الأزهر الحملة الفرنسية حملة صليبية، وشهدت القاهرة إعدام سليمان الحلبي البطل الشهيد الذي قتل كليبر في قصره.
ومن القاهرة عاصمة مصر خرج أحمد عرابي يقود ثورة ضد المحتل الإنجليزي ووقف ضد الخديوي توفيق,وقال قولته الشهيرة:”لسنا تراثا أو عقارا ووالله لن نذل ولن نستعبد بعد اليوم”.
خلال الحرب العالمية الثانية تعرضت القاهرة لغارات الألمان؛ إذ كانت واقعة تحت النفوذ البريطاني الذي يتبع الحلفاء؛ مما جعل سكانها يعانون عن قرب أجواء الحرب العالمية الثانية، تماما مثل مدن غرب أوربا وأبرزها لندن، وحصلت القاهرة خلال فترة الملكية على لقب أجمل مدينة.
في الثالث والعشرين من يوليو عام 1952م شهدت القاهرة ثورة الضباط الأحرار على الملك فاروق, ونجحوا في إعفائه من الحكم, وفي عام 1953م دخلت القاهرة مرحلة الجمهورية، وحتى عصرنا هذا تمتلئ القاهرة بالآثار المتنوعة التي أبرزها الآثار الاسلامية؛ حيث تسمى القاهرة مدينة الألف مئذنة.