أبو فراس الحمداني هو شاعرٌ من قبيلة الحمدانيين اسمه الكامل هو أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الوائلي ،ولد في 320ه وتوفي في 357ه وذلك يوافق على التاريخ الميلادي 932م- 968م ،قبيلته هي قبيلة عربية حكمت شمال سوريا والعراق في القرن العاشر للميلاد وكانت عاصمتهم هي حلب.
وقد ظهر الحمدانيين في الفترة التي ضعف فيها العرب في جسم الخلافة العباسية ومع هزيمة الفرس والترك، وهكذا ظهرت الحروب وباشر بها الحمدانييون ليدعموا من حكمهم ويرسخوا بسلطتهم ،فتم احتلال بلاد الموصل من قبل عبد الله عم الشاعر أبو فراس الحمداني ووالد سيف الدولة ،وتم بسط سلطة بني حمدان على شمال سوريا وعلى عاصمة الشمال حلب وما حولها ـواستطاع سيف الدولة أن يتملك حمص ومن ثم حلب وأنشأ هناك بلاطاً جمع فيه الكتاب واللغويين والشعراء في الدولة وعاصمتها حلب.
ترعرع أبو فراس في كنف ابن عمه سيف الدولة في حلب بسبب موت والده مبكراً ،وعند شبابه أصبح فارساً شاعراً، وكان يدافع عن إمارة ابن عمه ويحارب الروم وفي فترات السلام يشارك في مجالس الأدب وينافس الشعراء وبعد ذلك ولاه سيف الدولة مقاطعة منبج ليحكمها.
كثرت المعارك والحروب بين الحمدانيين والروم وذلك في أيام أبي فراس ،وتم أسره في مغارة الكحل في أحد المعارك وذلك في عام 347 ه والذي يوافق 959 م، ومن ثم تم نقله إلى حصنٍ منيع في منطقة تسمى خرشنة تقع على الفرات ولكنه ومن حسن حظه لم يبقى في الأسر لمدةٍ طويلة ولم يُعرف سبب نجاته تماماً فقد اختلفت الأقوال فمنهم من قال أنه استطاع الهرب بركوب جواده وهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات بينما قال غيرهم بأن سيف الدولة قد افتداه، ويقال بأنه بقي في الأسر لمدة ثلاث سنوات.
ومع ذلك فقد تم أسره مرةً أخرى بعد سقوط قلعته في عام 350 ه والتي توافق 962 م، وذلك بعد انتصارات حققها الحمدانيون في معارك كثيرة بين كرٍ وفر وتوقف القتال لفترةٍ من الزمن وعاد القتال ولكن الروم أعدوا جيشاً كبيراً وقاموا بمحاصرة أبا فراس في منطقة منبج وهكذا سقطت قلعته وتم أسره ،وتم أخذه إلى القسطنطينية وبقي في الأسر حوالي الأربع سنوات ،وكان يرسل رسائل لابن عمه سيف الدولة يؤنبه بها على تأخره بافتدائه ويتذمر من الأسر وقسوته ،وفي ذلك الوقت كانت الروم قد ازدادت قوة وكانت جيوشها تتقدم فاقتحمت حلب وهكذا تراجع سيف الدولة إلى ميافارقين، ولكنه استطاع إعادة ترتيب جيشه وجهز قوته وهاجم الروم وانتصر عليهم واستعاد إمارته وملكه في حلب وذلك في عام 354ه الموافق 966م، وقد أسر عدداً كبيراً من الروم فافتداهم بأسراه ومن ضمنهم ابن عمه أبو فراس الحمداني ،وكان أبو فراس في فترة أسره يرسل الرسائل التي احتوت على القصائد المليئة بمشاعر الحزن والضيق والاشتياق إلى الوطن وكانت تصل إلى والدته التي شعرت بالحزن والأسى وتوفيت قبل عودة ابنها من الأسر.
وبعد سنة من خروج أبو فراس الحمداني من الأسر توفي سيف الدولة وذلك في عام 344 ه الموافق 967م ،وكان هناك شخص يدعى بقرغويه وكان مولى لسيف الدولة وقد طمع بالسلطة وهكذا نادى بابن سيده أبي المعالي أميراً على حلب وكان يأمل بأن يبسط يده على الإمارة بأسرها باسم أميره ،فأدرك أبو فراس الحمداني ذلك ودخل مدينة حمص وأبو المعالي هو ابن أخته فأوفد جيشاً بقيادة قرغويه، ودارت معركة في بلدة صدد والتي تقع جنوب شرق حمص تم قتل أبو فراسٍ بها وذلك في عام 357ه الموافق 968 م.
كتب أبو فراس الحمداني الكثير من الأشعار الرائعة والتي قد كتب بعضها في فترة أسره ولنتعرف على بعض أشعاره المميزة..
لم أعدُ فيه مفاخري … ومديح آبائي النُّجُبْ
لا في المديح ولا الهجاءِ … ولا المجونِ ولا اللعبْ
وهو من كتب هذا البيت الشهير:
الشعر ديوان العرب … أبداً وعنوان الأدب
(( أراك عصي الدمع ))
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى ،أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضيء النار بين جوانحي
إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا بت ظمآنا فلا نزل القطر
حفظت وضيعت المودة بيننا
وأحسن من بعض الوفاء الغدر
وما هذه الأيام إلا صحائف
لأحرفها ، من كف كاتبها ، بشر
وتميّز بهذا الشعر الذي كتبه لوالدته
لَوْلا العَجُوزُ بِمَنْبِجٍ
مَا خِفْتُ أسْبَابَ المَنِيّهْ
وَلَكَانَ لي، عَمّا سَأَلْـ
ـتُ منَ الفدا، نفسٌ أبيهْ
لكنْ أردتُ مرادها،
وَلَوِ انْجَذَبْتُ إلى الدّنِيّهْ
وَأرَى مُحَامَاتي عَلَيْـ
ـهَا أنْ تُضَامَ مِنَ الحَمِيّهْ
أمستْ بـ “منبج”، حرة ً
بالحُزْنِ، من بَعدي، حَرِيّهْ
لوْ كانَ يدفعُ حادثٌ،
أوْ طارقٌ بجميلِ نيهْ
لَمْ تَطّرِقْ نُوَبُ الحَوَا
دثِ أرضَ هاتيكَ التقيهْ
لَكِنْ قَضَاءُ الله، وَالـ
أحكامُ تنفذُ في البريهْ
وَالصَّبْرُ يَأتي كُلَّ ذِي
رُزْءٍ عَلى قَدْرِ الرّزِيّهْ
لا زَالَ يَطْرِقُ مَنْبِجاً،
في كلِّ غاديةٍ، تحيهْ
فيها التقى، والدينُ مجــ
ـمُوعَانِ في نَفْسٍ زَكِيّهْ
يَا أُمّتَا! لا تَحْزَني،
وثقي بفضلِ اللهِ فيَّــهْ!
يَا أُمّتَا! لا تَيّأسِي،
للهِ ألطافٌ خفيهْ
كَمْ حَادِثٍ عَنّا جَلا
هُ، وَكَمْ كَفَانَا مِنْ بَلِيّهْ
أوصيكِ بالصبرِ الجميــ
ــلِ ! فإنهُ خيرُ الوصيهْ !
مصابي جليل والعزاء جميلُ
مُصَابي جَلِيلٌ، وَالعَزَاءُ جَمِيلُ،
وَظَنّي بِأنّ الله سَوْفَ يُدِيلَ
جِرَاحٌ، تحَامَاها الأُسَاة، مَخوفَة ٌ،
وسقمانِ: بادٍ، منهما ودخيلُ
وأسرٌ أقاسيهِ، وليلٌ نجومهُ ،
أرَى كُلّ شَيْءٍ، غَيرَهُنّ، يَزُولُ
تطولُ بي الساعاتُ، وهي قصيرة؛
وفي كلِّ دهرٍ لا يسركَ طولُ !
تَنَاسَانيَ الأصْحَابُ، إلاّ عُصَيْبَة ً
ستلحقُ بالأخرى، غداً، وتحولُ !
ومن ذا الذي يبقى على العهدِ؟ إنهمْ
وإنْ كثرتْ دعواهمُ، لقليلُ !
أقلبُ طرفي لا أرى غيرَ صاحبٍ
يميلُ معَ النعماءِ حيثُ تميلُ
وصرنا نرى: أن المتاركَ محسنُ؛
وَأنّ صَدِيقاً لا يُضِرّ خَلِيلُ
فكلُّ خليلٍ، هكذا، غيرُ منصفٍ !
وَكُلّ زَمَانٍ بِالكِرَامِ بَخِيلُ!
نعمْ، دعتِ الدنيا إلى الغدرِ دعوة ً
أجابَ إليها عالمٌ، وجهولُ
وَفَارَقَ عَمْرُوبنُ الزّبَيرِ شَقِيقَهُ،
وَخَلى أمِيرَ المُؤمِنِينَ عَقِيلُ!
فَيَا حَسْرَتَا، مَنْ لي بخِلٍّ مُوَافِقٍ
أقُولُ بِشَجوِي، مَرّة ً، وَيَقُولُ!
وَإنّ، وَرَاءَ السّتْرِ، أُمّاً بُكَاؤهَا
عَلَيّ، وَإنْ طالَ الزّمَانُ، طَوِيلُ!
فَيَا أُمّتَا، لا تَعْدَمي الصّبرَ، إنّهُ
إلى الخَيرِ وَالنُّجْحِ القَرِيبِ رَسُولُ!
وَيَا أُمّتَا، لا تُخْطِئي الأجْرَ! إنّهُ
على قدرِ الصبرِ الجميلِ جزيلُ
أما لكِ في “ذاتِ النطاقينِ” أسوة ٌ
بـ “مكة َ” والحربُ العوانُ تجولُ؟
أرَادَ ابنُها أخْذَ الأمَانِ فَلَمْ تُجبْ
وتعلمُ، علماً أنهُ لقتيلُ!
تأسّيْ! كَفَاكِ الله ما تَحْذَرِينَهُ،
فقَد غالَ هذا النّاسَ قبلكِ غُولُ
وكوني كما كانتْ بـ “أحدٍ” “صفية ٌ”
ولمْ يشفَ منها بالبكاءِ غليلُ !
ولوْ ردَّ، يوماً “حمزة َ الخيرِ” حزنها
إذاً مَا عَلَتْهَا رَنّة ٌ وَعَوِيلُ
لَقِيتُ نُجُومَ الأفقِ وَهيَ صَوارِمٌ،
وَخُضْتُ سَوَادَ اللّيْلِ، وَهْوَ خيولُ
وَلمْ أرْعَ للنّفْسِ الكَرِيمَةِ خِلّةٍ،
عشيةِ لمْ يعطفْ عليَّ خليلُ
ولكنْ لقيتُ الموتَ، حتى تركتها
وَفِيها وَفي حَدّ الحُسَامِ فُلولُ
ومنْ لمْ يوقَ اللهُ فهوَ ممزقٌ
ومنْ لمْ يعزِّ اللهُ، فهوَ ذليلُ!
ومنْ لمْ يردهُ اللهُ في الأمرِ كلهِ
فليسَ لمخلوقٍ إليهِ سبيلُ