كيف اعرف انى ظلمت انسان؟ كثيرًا ما نسمع عن ظلم شخص لشخص آخر أو ظلم مجموعة من البشر لفرد واحد، ونسمع عبارة “أني مظلوم” أو “شخصًا ما ظلمني” وهذه العبارة تدل على وجود خلل ما في العلاقة الإنسانيّة بين البشر وبعضهم البعض، فالأصل في علاقات البشر أنّها تتصف بالتسامح والعفو والمحبّة والمودّة والأخوّة، وتشمل فيها كل معاني الفضيلة والرّحمة والإنسانية، ولا تتضمن هذه العلاقة ظلم لأحد أو استضعاف له بحجج واهية ومبررات كاذبة.
سبب الظلم:
وسبب الظلم أيضًا أنه من أجل تحقيق أطماع ومصالح معيّنة، وقد نهى الملك جل في علاه عن الظّلم حيث حرّمه سبحانه على نفسه وجعله بين العباد محرمًا، كما تعهد الله تعالى بإجابة دعوة المظلوم سريعًا فقال صلى الله عليه وسلم “اتقوا دعوة المظلوم فأنها ليس بينها وبين الله حجاب”، ويقول الله لها والله لأنصرنك ولو بعد حين، فالظّلم هو ظلمات في الدّنيا ويوم القيامة بما يحدثه من ضياع الحقوق من جهة ومن جهة أخرى الآثار النفسية المدمّرة الذي يتعرض لها الشخص المظلوم.
فقد حرم الله تعالى الظلم حتى على غير المسلمين المشركين بالله جل وعلى، وجعل أيضًا عقوبة على المسلم الذي يظلم شخص كافر بأي نوع من أنواع الظلم، وعاقبة الظلم مدمرة وقاضية على الظالم، بل يعجل الله بها العقوبة في الدنيا قبل الأخرة، ومن أعظم أنواع الظلم أن يظلم الإنسان نفسه، وأشد ما يظلم الإنسان نفسه هو ابتعاده عن طاعة ورضا الله، فهذا الشخص ظالم لنفسه بل ظالم لمن معه أيضًا.
أنواع الظلم:
فترى زوج أو رب أسرة مسلم ولا يصلي ولا يصوم ولا يفعل الخيرات بل منتهك لحرمات الله، فهذا بالطبع ظالم لنفسه ولمن معه حيث أن عقابه على نفسه وهو من حكم على نفسه بعقوبة الله المعجلة في الدنيا وعقاب الله في الآخرة، وبالطبع سيُسأل عن المسؤول عنهم يوم القيامة بل يقتصوا منه يوم القيامة سواء الزوجة أو الأولاد، لما منعهم من الخير العظيم لأنه سبب في ذلك الظلم.
كيف اعرف انى ظلمت انسان؟ ظلم شخص لأخيه وهذا الظّلم يكون في علاقة الإنسان بغيره من البشر، وتتنوع أشكاله وتتعدد بشكل كبير، وهذا النّوع من الظّلم يقينًا محرّم في جميع الشّرائع السّماويّة والأديان من رب العالمين، وقد أكّدت الشّريعة الإسلاميّة على تحريمه تحريمًا واضحًا وصريحًا والنّهي عنه وعن الاقتراب منه، ومن الأمثلة هي الاعتداء على النّاس بغير وجه حقّ بأي شكل من الأشكال أو سلب حقوقهم في الحياة، وأكل أموال النّاس أو اليتامى بالباطل وبغير وجه حق وقطع الطّريق على المسالم أو محاسبة وعقاب البريء وترك المذنب الجاني.
أيضًا من أنواع الظلم الحديثة والمنتشرة في تلك الأيام هي التفجيرات والعمليات الاستشهادية كما يسمونها التي هي من فعل أخوة الشياطين الإرهابيين الذين يقومون بتفجير أناس بريئين بغير وجه حق سواء مسلمين أو غير مسلمين، وهؤلاء المجرمين هم أحفاد الخوارج وهم كلاب أهل النار كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم شر الخلق والخليقة، لأن غير المسلم لو دخل بلاد المسلمين مسالم غير محارب فهو معافى من القتل بل أن من يقتله يكون معاقبًا ومعذب عذابًا شديدًا يوم القيامة.
ولا شك أن من عاقبة الظلم على أهل البلد هي نزول الابتلاءات والعواقب الوخيمة ومنع الرزق والكثير من العقوبات التي يعاقب بها البلد الظالم أهلها، وبالطبع يشمل هذا الابتلاء والعقاب جميع من في البلدة وهذا بنص كتاب الله جل وعلى “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس” وهذه الآية بل آيات كثيرة تدل على أن الله يعاقب القرية أو البلد التي بها أناس ظالمون.
يرى الكثيرون أنّ أشكال الظلم تعني التعدّي على النّاس و إكراههم على ما لا يبغون فقط، وهم في هذا الفهم غير مدركون عن المعنى الشامل للظلم، فالظلم هو وضع الشيء في غير محله، سواء كان هذا الوضع بزيادة أو بنقصان، والظلم يكون على النّاس ويكون أيضًا على النّفس، وقد يحصل الظلم بالعديد من الصور والأشكال سواء المادّية أو المعنوية، وهذا المعنى يغفل عنه الكثير من النّاس.
صور الظلم المتنوعة:
فالأب الذي يظلم زوجته أو حتى طليقته ولا يعدل بين أولاده، ولا ينفق على أسرته أو يبخل عليهم فهو ظالم، بل أن الظلم لا يشمل التقصير من الناحية المادية فقط، بل من أشد أنواع الظلم أنه لا يعلق قلوبهم بالله ويقصر في توجيههم لطريق الله، والأم التي لا تربّي أولادها على دين الله وعلى طريق الهداية والصلاح ولا تحفظ بيت زوجها ولا تقوم بواجباتها فهي ظالمة لنفسها وزوجها وأولادها.
والجار الذي يقوم بإيذاء جيرانه وإلحاق الأذى بهم والاعتداء عليهم بالقول أو الفعل الفاحش فهو ظالم، والموظّف الذي يقصر في أداء واجبه الوظيفي ويولّي ظهره للنّاس ولا يخدمهم وتجفّ كلماته معهم، ويخيّم الغضب فوق رأسه ولا يسكت عن ظلم الناس طوال الوقت فهو ظالم، وكل تلك المشاهد هي صور متنوعة من الظلم، وهذا غيض من فيض وقليل من كثير، وكل الأصناف التي ذكرت وما يشبهّها أو يقترب منها تعد أمثلة واضحة للظلم، وكل شخص يرى شخصًا آخر قد ظلم فالواجب عليه صده عن الظلم سواء بالفعل أو القول أو القلب وذلك أضعف الإيمان.
كيف اعرف انى ظلمت انسان؟
- إذا وجدت نفسك بعيدًا عن طريق الله وطريق الهداية والصراط المستقيم وبعيدًا عن العبادات الظاهرة والباطنة سواء القولية أو الفعلية أو القلبية فاعلم أنك في أول الأمر ظالم لنفسك ظلمًا شديدًا، وعليه يمكن أن تكون ظالم لنفسك لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
- إذا نزلت بك النوازل والمصائب والكوارث والعقابات من حيث لا تدري ومتتالية فاعلم أنه ربما تكون ظالم لغيرك أو لنفسك، لأن هذه العقابات هي أخذ عزيز مقتدر لأن عاقبة الظلم في الدنيا هي معاقبة العبد بالكوارث بأي نوع من الأنواع.
- دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، فاحذر أن يدعوا عليك المظلوم في وقت يستجيب الله منه، فربما تصيبك دعوة المظلوم الذي ظلمته ويقع عليك نفس نوع الظلم، لأنه كما تدين تدان بنفس ما فعلت، فمثلاً أكلت مال شخص ما، فيوشك الله أن يقتص ويفقدك جزء كبير من المال، وإذا سببت شخص ما فيمكن أن يسبك شخص آخر من حيث لا تدري، وإذا استمررت في ظلم أحد ما فترة طويل فيكون العقاب أشد وأكبر، فيمكن أن يسلط الله عليك عبدًا ظالم من عباد الله لا يجعلك تنام الليل ولا يجعلك مستريح بالنهار.
على أي حال الإنسان مهما كانت ديانته أن يبتعد عن الظلم وعن كلّ ما يجرّ إلى أنواع ظلم، فإن وجد نفسه في عمل ما أو وظيفة في مكان ما تعرضه لظلم نفسه أو لغيره فعليه أن يهجرها ويبتعد عنها، وإن ظهر أمامه أنّه يرافق من يعينه على الظلم ويحرّضه عليه أو يجبره عليه فلا بد أن يترك ويهرب من ذلك الظالم ويجافيه ويبتعد عنه حتى ينتهي عن الظلم، وعلى الشخص الذي يشعر أنه ظالم بأن يراجع نفسه ويحاسبها ويتقي الله ويرجع عن الظلم الذي هو واقع فيه عسى الله أن يتوب عليه.